وأيسر العلم - بفضل علي، رحمه الله، ونصحه للمسلمين، وحسن بلائه في الإسلام أيام النبي صلى الله عليه وسلم، يمنع من قبول هذه الرواية، وإنما خلط الرواة بين أمرين مختلفين أشد الاختلاف، أحدهما بيعة علي لأبي بكر، والآخر ما كان من مغاضبة فاطمة لأبي بكر في ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، فقد طلبت فاطمة حقها من ميراث أبيها في فدك، وفي سهمه في خيبر، فلم يجبها أبو بكر إلى ما طلبت، لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث ما تركنا صدقة، فهجرته فاطمة، ولم تكلمه حتى ماتت.
وكان عليا " جفا أبا بكر لهجران فاطمة له، والحقيقة أن هذا شئ لا شأن له بالبيعة، وإنما بايع علي حين بايع الناس في غير إسراع ولا إكراه، رأى أن كلمة المهاجرين والأنصار قد اجتمعت على أبي بكر، فلم يخالف عما أجمع عليه المسلمون، ولو خالف علي - أو هم بالخلاف - لاستطاع أن يحاج أبا بكر بحجته على الأنصار في سقيفة بني ساعدة، فقد احتج أبو بكر على الأنصار بأن المهاجرين من قريش هم أولى الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبالأمر من بعده.
ومما لا شك فيه أن عليا " كان أقرب إلى النبي من أبي بكر وعمر، فهو ابن عمه، وزوج ابنته، وأبو سبطيه، ولكن عليا " لم يفعل، على ما زعم بعض الرواة، وما كان في حاجة إلى أن يفعل، فأبو بكر كان يعرف قرابته حق المعرفة، كما كان يعرفها غيره من المسلمين، وإنما نظر الناس إلى سن أبي بكر، وفضله وحسن مواساته للنبي صلى الله عليه وسلم، وللمسلمين، واختصاص النبي له بمصاحبته في هجرته، ثم أمره أن يصلي بالناس، حين ثقل عليه المرض، فكان الناس يقولون: اختاره رسول الله لديننا، فلم لا نختاره لأمر دنيانا.
والمهم أن أحدا " لم يخالف على أبي بكر، لا من بني هاشم ولا من غيرهم، وكل ما يقال غير هذا إنما تكلفه المتكلفون بآخره، حين افترق الناس شيعا " وأحزابا " (1).