وكان المسلمون إلى علي قريبا "، حين راجع الأمر المعروف (1).
ويناقش الدكتور طه حسين كل أوجه القضية فيقول: بقيت مسألتان خلط فيهما الرواة تخليطا " عظيما "، وليس بد من أن نتبين وجه الحق فيهما:
فأما الأولى: فبيعة علي لأبي بكر: فالرواة يختلفون فيها أشد الاختلاف، يقول قوم: إن عليا " بايع أبا بكر، حين بايعه غيره من المسلمين، وهؤلاء يختلفون فيما بينهم، فيزعم بعضهم أن عليا " كان جالسا " في داره وعليه قميص - ليس عليه إزار، ولا رداء - فجاءه من أنبأه بأن أبا بكر قد جلس للبيعة، وأن الناس يبايعونه، فأسرع علي إلى المسجد، وأعجله السرع عن أن يتخذ إزاره ورداءه، ومضى حتى بايع أبا بكر، ثم جلس وأرسل من جاءه بثوبه فجلله - وواضح ما في هذا من السرف.
وآخرون يزعمون أن عليا " أبطأ عن البيعة، وأبطأ معه الزبير بن العوام، فأرسل عمر من جاء بهما، ثم قال لهما: والله لتبايعا طائعين، أو لتبايعا كارهين - وواضح كذلك ما في هذا من الكذب.
فما كان أبو بكر ليخلي بين عمر، وبين العنف بعلي، إثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجه فاطمة حية، وإنما هذا الخبر متكلف، أريد به إلى إظهار أن عليا " لو ترك وشأنه ما بايع أبا بكر.
وكثير من الرواة يزعمون أن عليا " لم يبايع أبا بكر إلا متأخرا "، وأن بني هاشم صنعوا صنيعه، فامتنعوا على أبي بكر، وخالفوا جماعة المسلمين، وظلوا على هذا الخلاف ستة أشهر، حتى إذا توفيت فاطمة رحمها الله بايعوا.
وواضح في هذا من الكذب أيضا "، فما كان علي وبنو هاشم ليفارقوا جماعة المسلمين، وليتلبثوا حتى تموت فاطمة ثم يكون إقبالهم على البيعة، حين رأوا أن الناس قد انصرفوا عنهم، بعد موت فاطمة.