قال الشعبي: فقلت يا أبا سعيد، أغضبت الأمير، وأو غرت صدره، وحرمتنا معروفه وصلته، فقال إليك عني يا عامر.
قال: فخرجت إلى الحسن التحف والطرف، وكانت له المنزلة، واستخف بنا، وجفينا، فكان أهلا " لما أدي إليه، وكنا أهلا " أن يفعل بنا ذلك، فما رأيت مثل الحسن فيمن رأيت من العلماء، إلا مثل الفرس العربي بين المقارف، وما شهدنا مشهدا "، إلا برز علينا، وقال لله عز وجل، وقلنا مقاربة له. قال عامر الشعبي: وأنا أعاهد الله، أن لا أشهد سلطانا " بعد هذا المجلس، فأحابيه (1).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الشعبي والحسن البصري لم يكونا من الشيعة، وربما كانا من أعدائهم - على الأقل في ظواهر الأمور - وهذه تقية واضحة، في وقت كانت الشيعة تتقبل الموت، دون البراءة من الإمام علي، أو الاعتراف بالكفر، وقتل كميل بن زياد النخعي في عام 82 ه / 701 م - كما قتل قنبر وغيرهما - من الشواهد على ذلك.
وانتهت الأمور بسقوط الدولة الأموية (41 ه / 661 م - 132 ه / 750 م) وقيام الدولة العباسية (132 ه / 750 م - 656 ه / 1258 م) وسرعان ما بدأت الشيعة من جديد تحس بالضغط يزيد، وبالقتل يستمر، وبالدولة الجديدة تقوى ويشتد ساعدها، فكان العود إلى التقية أمرا " تتطلبه الظروف. وكان ذلك أيام بدأت الحركة العقلية تستغرق العالم الإسلامي في منتصف القرن الثاني الهجري، وجعلت الطوائف والفرق والنحل تتبين وتستقل، وتكون لها مبادئها، وتسندها بالحجج العقيلة والمنطقية، وهكذا وجد الشيعة أنفسهم مضطرين إلى التقية، فضلا " عن تأسيسها على أساس من المنطق والكلام، فبدأت الأحاديث تروى، والأخبار تترى، فرووا عن الإمام الصادق، عليه السلام، أقوالا " في التقية وتحبيذها، كما رووا عن الإمام محمد الباقر أنه قال: جعلت التقية ليحقن بها