أراد في مرضه الذي مات فيه، تقليد الأمر عمر بن الخطاب، زعق الناس وقالوا: لقد وليت علينا فظا " غليظا "، فما كانوا يرضون بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب لشدته وصلابته، وغلظه في الدين، وفظاعته على الأعداء، حتى سكنهم أبو بكر لو سألني ربي لقلت: وليت عليهم خيرهم لهم.
وعلى أية حال، فإن إمامة المفضول عند الزيدية، ليست قاعدة عامة تطبق في كل الأحوال، وإلا لسقط مبرر الخروج، وإنما قال به الإمام زيد لتبرير شرعية خلافة أبي بكر، ولإسقاط دعوى الطاعنين فيه، ومن المعروف أن أهل الكوفة والبصرة اشترطوا أن يتبرأ الإمام زيد من أبي بكر وعمر، حتى ينصروه، فأبى زيد، وقال: غفر الله لهما، ما سمعت أحدا " من أهل بيتي تبرأ منهما، وإني لا أقول فيهما إلا خيرا "، قالوا: فلم تطلب إذن بدم أهل البيت؟ فقال: إنا كنا أحق الناس بهذا الأمر، ولكن القوم استأثروا علينا به، ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا "، قد ولوا فعدلوا، وعملوا بالكتاب والسنة.
قالوا: فلم تقاتلوا هؤلاء إذن؟ قال: إن هؤلاء القوم (أي الأمويين) ليسوا كأولئك، إن هؤلاء ظلموا الناس، وظلموا أنفسهم وإني أدعو إلى كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإحياء السنن، وإماتة البدع، فإن تسمعوا يكن خيرا " لكم ولي، وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل، فرفضوه وانصرفوا عنه، ونفضوا بيعته وتركوه، فلهذا سموا الرافضة من يومئذ، ومن تابعه من الناس على قوله سموا الزيدية.
وهكذا فإن الإمام زيد إنما قال بإمامة المفضول، لتبرير شرعية خلافة أبي بكر، فضلا " عن إسقاط دعوى الطاعنين فيه، ومن ثم فإن أئمة الزيدية - بعد الإمام زيد - إنما يقولون بوجوب إمامة الأفضل (1).