الإمامة وأهل البيت - محمد بيومي مهران - ج ١ - الصفحة ١٠٥
في الأصول: والمختار ما ذكره القاضي، وهو أنه لا يجب عقلا عصمتهم (أي الأنبياء)، إذ لا يستبان استحالة وقوعه بضرورة العقل ولا بنظره، وليس هو مناقضا " لمدلول المعجزة، فإن مدلول صدق اللهجة، بما يخبر عن الله تعالى، لا عمدا " ولا سهوا "، ومعنى التنفير باطل، فإنا نجوز أن ينبئ الله تعالى كافرا "، ويؤيده بالمعجزة.
وقال بعض الحشوية: إن نبينا صلى الله عليه وسلم، كان كذلك، لقوله تعالى: * (ووجدك ضالا " فهدى) * (1).
وكان من نتائج ذلك أن تقرأ في كتبنا نحن المسلمين: تسمع وتطيع، وإن ضرب ظهرك وبطنك، وأخذ مالك، وأن الخلافة تنعقد بالقهر

(١) ذهب قوم من المرجئة، وابن الطيب الباقلاني من الأشعرية، ومن اتبعه، إلى أن الرسل غير معصومين، إلا من الكذب في التبليغ، فإنه لا يجوز عليهم، وذهبت طائفة إلى أن الرسل لا يجوز عليهم كبيرة من الكبائر أصلا "، وجوزوا عليهم الصغائر.
وذهب جمهور أهل الإسلام - من أهل السنة والمعتزلة والشيعة والخوارج - إلى أنه لا يجوز البتة أن يقع من نبي أصلا " معصية عن عمد، لا صغيرة ولا كبيرة، ويقول ابن حزم: إنه يقع من الأنبياء السهو بغير قصد، ويقع منهم أيضا " قصد الشئ، يريدون به وجه الله، والتقريب منه، فيوافق خلاف مراد الله، إلا أنه سبحانه وتعالى، لا يقرهم على شئ من هذين الوجهين أصلا "، بل ينبههم إلى ذلك ويظهر ذلك لعباده ويبين لهم.
ويقول في المواقف وشرحه: أجمع أهل الملل والشرائع على عصمة الأنبياء من تعمد الكذب، فيما دل المعجز على صدقهم فيه، كدعوى الرسالة وما يبلغونه عن الله، وأما سائر الذنوب فهي إما كفر أو غيره، فأما الكفر فأجمعت الأمة على عصمتهم منه، وأما غير الكفر، فإما كبائر أو صغائر، وكل منهما إما عمدا "، وإما سهوا "، أو على سبيل الخطأ في التأويل، فجوزه الجمهور - إلا الجبائي -، وأما سهوا "، فهو جائز اتفاقا "، واستثنى أكثر المعتزلة الصغائر الخسيسة، وهي ما يحكم على صاحبها بالخسة ودناءة الهمة، فإنها لا تجوز أصلا " - لا عمدا " ولا سهوا " - هذا كله بعد الوحي.
وأما قبل الوحي، فقال الجمهور: لا يمتنع أن يصدر عنهم كبيرة، وقال أكثر المعتزلة: تمتنع عليهم الكبيرة، لأن صدورها يوجب النفرة، وهي تمنع من اتباعه، فتفوت مصلحة البعثة (أحمد أمين: ضحى الإسلام ٣ / ٢٢٩ - القاهرة ١٣٦٨ ه‍ / ١٩٤٩، ابن حزم: المرجع السابق ٤ / ٢ وما بعدها، شرح المواقف باختصار 3 / 204 وما بعدها).
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»
الفهرست