التوسل بالنبي (ص) وجهلة الوهابيون - أبي حامد بن مرزوق - الصفحة ٢٧٦
فلو استظهرتم بالثقلين على إثباتها عن السلف الذين جعلتموهم مجنا لأهوائكم الفاسدة لم تستطيعوا فضلا عن إثباتها عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فضلا عن إثباتها من كتاب الله، وإن كان مناط المنع هو تلك السببية الظاهرة التي تفهم من ظواهر الألفاظ، وجب أن يكون ذلك كله شركا، حتى طلب الرجل من أخيه أن يعينه في الحمل على دابته أو بناء داره أو حفر نهره إلى غير ذلك كما أوضحنا في الفرض الأول، فإن قالوا إننا ننسب تلك الأفعال والتأثيرات إلى الأحياء معتقدين أن الخلق والإيجاد ليس إلا الله تعالى وأن الحي ليس له إلا الكسب.
قلنا كذلك من يطلب من الأموات أو يتوسل بهم، والقرآنية فيهما واحدة وهو إيمانه بأن الله بيده ملكوت السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله وإن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وأنه لا خالق غيره ولا موجد سواه، وإن كان سر المنع عندهم هو أن الميت لا يقدر على شئ مما طلب منه فنقول لهم: أولا لا يلزم من ذلك أن يكون الطلب شركا بل عبثا فقط، والاستغاثة بالأحياء أقرب إلى الشرك منه بالأموات، لأنها أقرب إلى اعتقاد تأثيرهم في الاعطاء والمنع بمقتضى الحس والمشاهدة لولا نور الإيمان وساطع البرهان ثانيا - تقول لهم ما معنى قولكم إن الميت لا يقدر على شئ وما سره وباطنه عندكم، إن كان ذلك لكونكم تعتقدون أن الميت صار ترابا جسما وروحا، فما أضلكم في دينكم وما أجهلكم بما ورد عن نبيكم بل عن ربكم من ثبوت حياة الأرواح وبقائها بعد مفارقة الأجسام، ولو كانت أرواح الكفار، فمناداة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لرؤساء قريش في بدر: (يا عمرو بن هشام ويا عتبة بن ربيعة ويا فلان بن فلان إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم).
فقيل له صلى الله عليه وسلم تخاطب قوما جيفوا فقال: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) في السنة أشهر من نار على علم، ومناداته صلى الله عليه وسلم لأهل القبور ومخاطبته لهم فيها كذلك، وعذاب القبر ونعيمه مما تواتر في الشريعة الإسلامية، قرآنا وسنة، وإثبات المجئ والذهاب إلى الأرواح إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة التي جاء بها الإسلام وأثبتتها الفلسفة قديما وحديثا.
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»