ولو كان لكم رأي في المسألة غير التكفير لقلنا مجتهدون ظنوا ظنا وإلى الله أمرهم وكم مجتهد أخطأ، ولكن أولئك الذين أخطأوا لم يقدسوا أنفسهم هذا التقديس ولم يحملوا الناس على رأيهم بالسيف لأنهم يجوزون أن يكون الحق في جانب غيرهم ويعلمون ما جاء عن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم من أن (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) وإن من قال لأخيه المسلم: (يا كافر إن كان كما قال وإلا رجعت عليه)، ولم يرض الإمام مالك من المنصور العباسي بأن يحمل الناس على الموطأ وهو هو عند مالك، ولا من الرشيد أيضا أن يلزم الناس بما فيه احتراما للأمة وعلمائها واتهاما لنفسه، شأن أئمة الهدى وورثة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، والجاهل لا يعرف غير تعظيم نفسه، والعالم لا يعرف غير تعظيم ربه ومن تعظيم الله تعظيم من عظمه الله تعالى (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
ثم قال السائل: لا يمكننا أن نسيغ توجه المسلم العارف بربه الأنس بذكره إلى عبد من عباده، انتقل من عالم إلى آخر لا يعلم حاله فيه إلا الله تعالى، يسأله ويخاطبه بعد أن كان متلذذا بخطاب الله تعالى ومناجاته، ولا يخفى عليكم حديث أم العلاء في صحيح البخاري، وفيه: إنها شهدت لمهاجري وهو أبو السائب توفي عندها فقالت: أما شهادتي عليك لقد أكرمك الله)، وأن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم قال لها: (وما يدريك إن الله أكرمه) إلى غير ذلك من الأحاديث من أمثاله، وكلها تدل على أن الأموات قد أفضوا إلى ما قدموا، وأنه لا يجوز لنا أن نحكم لأحد حكما جازما بأنه من أهل الجنة أو من أهل النار إلا ما ورد النص بأنهم من أهل الجنة أو من أهل النار، كما ورد في أهل بدر وبعض الصحابة كعكاشة ابن محصن.
وأقول إن حضرة السائل أدمج في هذا الكلام الخطابي أشياء لا نتركها بل نناقشه الحساب فيها، أما التمويه بذكر المسلم إلى ربه وتلذذه بذكره فهو لذيذ في الأسماع يكاد يأخذ بمجامع النفوس، ولكن هذا مقام تحقيق علمي لا ينفع فيه التمويه ولا تفيد فيه الخطابة.
وقد قلنا فيما سبق: لو كان رأيهم أن هذا هو مقام الكمال لم نتعرض له، ولكنهم