دخل عليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فجلس عند رأسها ثم قال: رحمك الله يا أمي بعد أمي وذكر ثناءه عليها، ثم كفنها ببردته وأمر بحفر قبرها، قال: فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بيده، وأخرج ترابه بيده فلما فرغ دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فاضطجع فيه ثم قال: (الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ووسع لها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين) = أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وابن حبان والحاكم بسند صحيح =.
وروى ابن أبي شيبة عن جابر رضي الله تعالى عنه مثل ذلك، وروي مثله ابن عبد البر عن ابن عباس رضي الله عنهما ورواه أبو نعيم في الحلية عن أنس رضي الله تعالى عنه.
ثم نقول: إنهم كانوا يتبركون بآثاره صلى الله تعالى عليه وسلم وبعد موته، فقد ثبت أنه كان له صلى الله تعالى عليه وسلم جبة عند أسماء بنت أبي بكر كانوا يستشفون بها، ولا معنى لهذا إلا أنهم كانوا يتوسلون بآثاره إلى الله تعالى فيشفيهم ببركتها، والتوسل يقع على وجوه كثيرة لا على وجه واحد = كما يفهمه هؤلاء =، أفتراهم يتوسلون بآثاره ولا يتوسلون به، وفي الباب شئ كثير لعلنا نذكره بعد.
أما توسل عمر بالعباس حين استسقى به دون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فلكون ذلك هو سنة الاستسقاء ولكون العباس من ذوي الحاجات للمطر، أو لكون عمر أراد أن يبين للناس أنه يجوز التوسل بغيره صلى الله تعالى عليه وسلم لفضله أو لقرابته منه عليه الصلاة والسلام، أو لخوفه على ضعفاء المسلمين وعوامهم إذا تأخر المطر بعد التوسل، أو ليدلهم على أن التوسل بالمفضول جائز مع وجود الفاضل وإلا فعلي أفضل من العباس وكذا عمر، على أن البيهقي في دلائل النبوة أخرج ما يأتي، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن مالك الدار خازن عمر رضي الله عنه قال: أصاب الناس قحط في زمان عمر فجاء رجل قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال يا رسول الله:
استسق الله لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتاه رسول الله تعالى عليه وسلم في المنام،