الكلام معهم من جهة الدليل العقلي وما نضطر إليه من الدليل النقلي: قبل الحوض في الموضوع نشترط عليهم أن يصبروا صبر المرتاضين بصناعة المنطق العارفين بقوانين المناظرة، فلا يخرجوا عن الفرض الذي نفرضه حتى نتم الكلام فيه، وأن يعرفوا موضوع البحث فلا ينتقلوا عنه إلى غيره وسنفرض الفروض كلها ثم نبطلها واحدا واحدا، ولينظروا حتى لا يختلط المعقول بالمنقول ولا المنقول بالمعقول وسنوفي كلا حقه إن شاء الله تعالى وعسى أن لا يكونوا بعد ذلك ممن يسلم المقدمات وينازع في النتيجة فنقول:
هؤلاء إن كانوا يمنعون التوسل والاستغاثة ويجعلونهما شركا من حيث إنهما توسل واستغاثة، فاستغاثة المظلوم بمن يرفع ظلمه إذا شرك، واستغاثة الرجل بمن يعينه في بعض شؤونه شرك، واستغاثة الملك بجيشه في الحروب شرك، واستغاثة الجيش بالملك فيما يصلح أمره شرك، بل نقول يلزمهم على هذا الفرض إن طلب المعونة من أرباب الحرف والصنائع التي لا غنى للناس عنها شرك، وطلب المريض للطبيب شرك، بل يلزم بناء على تلك الكليات التي تقتضيها الحيثية إن استغاثة الرجل الإسرائيلي بسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام وإجابته إياه كما قال تعالى: (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه)، شرك، إلى غير ذلك مما لا يقول به عاقل فضلا عن فاضل.
هذا كله إن كانوا يقولون إنها شرك من حيث إنها استغاثة بغير الله تعالى كما فرضنا، فإن قالوا إن الاستغاثة والتوسل بالأموات شرك دون الأحياء، قلنا لهم: لا معنى لهذا بعد أن سلمتم إن الاستغاثة بغير الله من الأحياء ليست بشرك، وبعد ما ورد به القرآن ووقع عليه الاجماع في كل زمان ومكان، ولا معنى لأن يكون طلب الفعل من غير الله شركا تارة وغير شرك تارة أخرى، فإن فيه نسبة الفعل لغير الله على كل حال، وأن قالوا إننا لا نعتقد التأثير الذاتي للحي، فإن وجد ذلك الاعتقاد فيه كان شرعا وإلا فلا، قلنا:
فلا فرق إذا بين الأحياء والأموات فتفرقتكم بين الحي والميت تحكم لا دليل عليه من العقل ولا من النقل.