الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ) ليس بوارد، بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه.
فإن قولهم (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) مصرح بأنهم عبدوهم لذلك، والمتوسل بالعالم مثلا لم يعبده بل علم أن له مزية عند الله بحمله العلم فتوسل به لذلك.
وكذلك قوله تعالى: (فلا تدعوا مع الله أحدا) فإنه نهى أن يدعى مع الله غيره، كأن يقول يا الله يا فلان، والمتوسل بالعالم مثلا لم يدع إلا الله، وإنما وقع منه التوسل إليه بعمل صالح عمله بعض عباده، كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم.
وكذلك قوله تعالى: (والذين يدعون من دونه) الآية فإن هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم، ولم يدعوا ربهم الذي يستجيب لهم، والمتوسل بالعالم مثلا لم يدع إلا الله ولم يدع غيره دونه ولا دعا غيره معه، فإذا عرفت هذا لم يخفف عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من الأدلة الخارجة عن محل النزاع.
إلى أن قال: والمتوسل بنبي من الأنبياء أو عالم من العلماء لا يعتقد أن لمن توسل به مشاركة لله جل جلاله في أمر، ومن اعتقد هذا لعبد من العباد سواء كان نبيا أم غير نبي فهو في ضلال مبين.
وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله تعالى: (ليس لك من الأمر شئ)، (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا)، فإن هاتين الآيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أمر الله شئ، وأنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف يملك لغيره؟، وليس فيهما منع التوسل به أو بغيره من الأنبياء والأولياء والعلماء.
وقد جعل الله لرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم المقام المحمود مقام الشفاعة العظمى وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه وقال له: (سل تعط واشفع تشفع).