فقال: ائت عمر فاقرأه السلام واخبره أنهم مسقون وقل له عليك الكيس الكيس، فأتى الرجل عمر فأخبره فبكى عمر رضي الله عنه، ثم قال: يا رب ما آلوا إلا ما عجزت عنه، ومحل الاستشهاد في هذا الأثر طلبه الاستسقاء من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعد موته وإقرار عمر إياه على ذلك.
هذه وأحب أن تتذكر ما قلناه من أن المسؤول هو الله تعالى لا فاعل غيره ولا خالق سواه، وإنما نسأله بمنزلة حبيبه لديه ومحبته له، وذلك شئ ثابت لا يتغير في الدنيا ولا في الآخرة ومن شك في منزلته صلى الله تعالى عليه وسلم عند ربه جل وعلا فقد كفره على أن قول عمر بمحضر من الصحابة إنا نتوسل إليك بعم نبيك يدل على جواز التوسل بالمنزلة وإلا لم يكن له معنى، وأي حاجة إليه إذا كان المقصود دعاء العباس؟، أما التوسل به في عرصات القيامة فلا حاجة للإطالة فيه فإن أحاديث الشفاعة بلغت مبلغ التواتر، وفيها أن الناس يذهبون إلى الأنبياء يطلبون منهم الشفاعة إلى آخر ما هو معروف.
والخلاصة: أنه مما لا شك فيه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم له عند الله قدر علي ومرتبة رفيعة وجاه عظيم، فأي مانع شرعي أو عقلي يمنع التوسل به؟، فضلا عن الأدلة التي تثبته في الدنيا والآخرة، ولسنا في ذلك سائلين غير الله تعالى ولا داعين إلا إياه، فنحن ندعوه بما أحب أيا كان، فتارة نسأله بأعمالنا الصالحة لأنه يحبها، وتارة نسأله بمن يحبه من خلقه كما في حديث آدم السابق وكما في حديث فاطمة بنت أسد الذي ذكرناه، وكما في حديث عثمان بن حنيف المتقدم، وتارة نسأله بأسمائه الحسنى كما في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: (أسألك بأنك أنت الله) أو بصفته أو فعله كما في قوله في الحديث الآخر: (أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك) وليس مقصورا على تلك الدائرة الضيقة = كما يعتقد الجاهلون =، وسر ذلك أن كل ما أحبه الله صح التوسل به، وكذا كل من أحبه من نبي أو ولي وهو واضح لدى كل ذي فطرة سليمة ولا يمنع منه عقل ولا نقل بل تضافر العقل والنقل على جوازه، والمسؤول في ذلك كله الله وحده لا شريك له لا النبي ولا الولي الحي ولا الميت:
(قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا).