ولنقتصر هنا على هذا السؤال: أيعتقدون أن الشهداء أحياء عند ربهم كما نطق القرآن بذلك أم لا؟ فإن لم يعتقدوا فلا كلام لنا معهم، لأنهم كذبوا القرآن حيث يقول:
(ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون)، (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)، وإن اعتقدوا ذلك فنقول لهم:
إن الأنبياء وكثير من صالحي المسلمين الذين ليسوا بشهداء كأكابر الصحابة أفضل من الشهداء بلا شك، فإذا ثبتت الحياة للشهداء فثبوتها لمن هو أفضل منهم أولى، على أن حياة الأنبياء مصرح بها في الأحاديث الصحيحة.
وقد رأى صلى الله تعالى عليه وسلم موسى عليه الصلاة والسلام يصلي في قبره، ورآه في السماء السادسة وأمره بالرجوع إلى ربه، وطلب التخفيف لما فرض الله عليه وعلى أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة مرارا حتى صارت خمسا.
ورأى في تلك الليلة أيضا آدم وإبراهيم ويحيى وعيسى ويوسف وهارون عليهم الصلاة والسلام فهذا كله يثبت حياة الأرواح وأنه لا شك فيها.
فإذا نقول حيث ثبتت حياة الأرواح بالأدلة القطعية التي قدمنا بعضها فلا يسعنا إلا إثبات خصائصها، فإن ثبوت الملزوم يوجب ثبوت اللازم كما أن نفي اللازم يوجب نفي الملزوم كما هو معروف.
وأي مانع من الاستغاثة بها والاستمداد منها كما يستعين الرجل بالملائكة في قضاء حوائجه، أو كما يستعين الرجل بالرجل، وأنت بالروح لا بالجسم إنسان، وتصرفات الأرواح على نحو تصرفات الملائكة لا تحتاج إلى مماسة ولا آلة فليست على نحو ما يعرف من قوانين التصرفات عندنا فإنها من عالم آخر،: (ويسئلونك عن الروح قبل الروح من أمر ربي)، وماذا يفهمون من تصرف الملائكة أو الجن في هذا العالم؟ ولا شك أن الأرواح لها من الاطلاق والحرية ما يمكنها من إجابة من يناديها