الوجه الثاني على سبيل الرد لقول أبي محمد، يعني أن حمله على نفي الاستحباب خلاف الظاهر لأنه نفي، والنفي يقتضي النهي، والنهي يقتضي التحريم، وجواب هذا بالدليل المانع من حمله على التحريم وتعين المصير إلى المجاز، على أن هذه العبارة فاسدة لأن النفي لا يقتضي النهي وإنما يستعمل فيه على سبيل المجاز، نعم! قد يقال بأن النهي يقتضي النفي على العكس مما قال، أما كون النفي يقتضي النهي فلا يقول به أحد وإنما مراده أنه نفي بمعنى النهي، وإذا عرف هذا فلأبي محمد أن قول لا شك أن حقيقة النفي خبر لا يقتضي تحريما ولا كراهة، والنهي له معنيان: أحدهما هو فيه حقيقة وهو التحريم والآخر هو فيه مجاز وهو الكراهة، فإذا صرف النفي عن حقيقته الخبرية إلى معنى النهي احتمل أن يستعمل في التحريم أو الكراهة وأياما كان فاستعماله فيه مجاز لأن الخبر غير موضوع له، فإن رجح استعماله في التحريم لبعض المرجحات كان ذلك من باب ترجيح بعض المجازات على بعض، وقد يكون ذلك الترجيح معارضا بترجيح آخر فلأبي محمد أن يمنع كون اللفظ المذكور حقيقة في التحريم أو ظاهرا فيه، فإن الخبر ليس مستعملا في لفظ النهي بل في معناه، ومعناه منقسم إلى الحقيقي والمجازي، فإن قبل النهي النفساني شئ واحد وهو طلب الترك الجازم المانع من النقيض وما سواه ليس بنهي حقيقة فإذا ثبت أن المراد بالخبر النهي ثبت التحريم، قلنا حينئذ يمنع أن المراد بالخبر النهي.
(قوله): (إن ما ذكروه من الأحاديث في زيارة قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث بل هي موضوعة لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئا منها)، قد بينا بطلان هذه الدعوى في أول هذا الكتاب، وما روي عن مالك من كراهة قوله: (زرت قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم) بينا مراده في الباب الرابع، (وقد اختار المحقق فيه ما قاله أبو عمران وأبو الوليد بن رشد المالكيان، قالا: إنما كره مالك أن يقال زرنا قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، لأن الزيارة من شاء فعلها ومن شاء تركها وزيارة قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم متأكدة ينبغي أن لا تذكر فيه كما تذكر في زيارة الأحياء الذين من شاء زارهم ومن شاء ترك، والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم أشرف وأعلى من أن يسمى أنه يزار).
(وقوله): (ولو كان هذا اللفظ مشروعا عندهم الخ..) كلام في غير محل