التوسل بالنبي (ص) وجهلة الوهابيون - أبي حامد بن مرزوق - الصفحة ١٤٩
فإن من فعل مباحا معتقدا أنه قربة لا يأثم ولا يوصف ذلك بكونه محرما بل إن كان اعتقاده ذلك لما ظنه دليلا وليس بدليل، وقد بذل وسعه بذلك كان مثابا عليه بمقتضى ظنه وإلا كان جهلا ولا إثم عليه فيه ولا أجر وفعله موصوف بالإباحة على حاله، فمن أين يأتي وصفه بالتحريم وإنما يأتي هذا الكلام في المباح إذا فعله على وجه العبادة مع اعتقاده أنه ليس بعبادة فهذا يأثم به ويكون حراما لأنه تقرب إلى الله تعالى بما ليس بقربة عند الله تعالى ولا في ظنه.
ومن هنا نشأ الغلط في هذه المسألة وهكذا سائر البدع، ومن ابتدع عبادة فعليه إثم ابتداعه لأنه أدخل في الدين ما ليس منه وإثم فعله لأنه تقرب بما يعتقد أنه ليس من الدين، وأما من قلده من العوام فإن كان ذلك مما يسوغ فيه التقليد كالفروع وفعله معتقدا أنه عبادة شرعية فلا إثم عليه، وإن كان مما لا يسوغ فيه التقليد كأصول الدين فعليه الإثم ومسألتنا هذه من الفروغ فلو فرضنا أنه لم يقل أحد باستحباب السفر وفعله شخص على جهة الاستحباب معتقدا ذلك لشبهة عرضت له لم يحرم ولم يأثم فكيف وكل الناس قائلون باستحبابه.
(قوله) (ومعلوم أن أحدا لا يسافر إليها إلا لذلك) هذا يقتضي إن كلامه ليس في أمر مفروض بل في الواقع الذي عليه الناس وإن الناس كلهم إنما يسافرون لاعتقادهم إنها طاعة والأمر كذلك، ويقتضي = على زعمه = أن سفر جميعهم محرم بإجماع المسلمين فإنا لله وإنا إليه راجعون، أيكون جميع المسلمين في سائر الأعصار من سائر أقطار الأرض مرتكبين لأمر محرم مجمعين عليه؟.
فهذا الكلام من ابن تيمية يقتضي تضليل الناس كلهم القاصدين لزيارة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومعصيتهم وهذه عثرة لا تقال ومصيبة عظيمة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(وقوله): (وأما إذا قدر أن الرجل يسافر إليها لغرض مباح فهذا جائز وليس من هذا الباب)، مفهوم هذا الكلام أن غرض الزيارة ليس بمباح.
(وقوله): (الوجه الثاني أن النفي يقتضي النهي والنهي يقتضي التحريم)، ظاهر صدر كلامه أن كلام أبي محمد يحتمل وجهين هذا ثانيهما، وإنما يتجه هذا
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»