(قوله) (حتى نص العلماء على أنه لا يسافر إلى مسجد قباء لأنه ليس من الثلاثة)، ليس كذلك عن العلماء كلهم، فإن المنقول عن الليث بن سعد أنه متى نذر مسجدا لزمه من المساجد الثلاثة وغيرها، والمنقول عن بعض المالكية أنه يجوز إعمال المطي لغير الناذر مطلقا، وحمل على ذلك إتيان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مسجد قباء فإنه كان بغير نذر، فهذا المذهبان يرد أن قوله إن العلماء نصوا على أنه لا يسافر إلى مسجد قباء.
(وقوله) (قالوا ولأن السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أمر بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين فمن اعتقد ذلك عبادة وفعلها فهو مخالف للسنة ولا جماع الأمة)، هذا من البهت الصريح وقد قدمنا من فعل ذلك من الصحابة والتابعين ومن استحبه من علماء المسلمين وأئمتهم فجحد ذلك مباهتة.
(ثم قوله) (قالوا): وجعله ذلك على لسان غيره إن كان مراده التخلص من تبعته عند المخالفة فليس ذلك من دأب العلماء ثم هو مطلوب بنقل هذا القول برمته عن المتقدمين الذين نسبه إليهم أو عن بعضهم، ثم نسبة ذلك إلى غيره لا تخلصه لأنه إنما حكاه حكاية من يرتضيه وينتصر له ويفتي به العوام ويرغيهم على اعتقاده ولا يفرق العامي الذي يسمع هذه الفتيا بين أن يذكره عن نفسه أو يحكيه عن غيره.
(وقوله): وهذا مما ذكره أبو عبد الله بن بطة في إبانته الصغرى، قلنا قد ذكرنا عن ابن بطة في الإبانة ما يخالف هذا في حق قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ورأيت من يذكر أن لابن بطة إبانتين وأن الذي نقله ابن تيمية من الصغرى والذي نقلناه من الكبرى، فإن صح ذلك وصح ما نقله ابن بطة في الصغرى فيحمل على غير قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم توفيقا بين الكلامين، وإن قال ابن بطة خلاف ذلك لم يلتفت إليه، قال المحقق: وحكى الخطيب في " تاريخ بغداد " كلام المحدثين في ابن بطة من جهة دعواه سماع ما لم يسمع، وحكى مع ذلك أيضا أنه كان شيخا صالحا مستجاب الدعوة فالله يسلمنا من إثمه وإنما أردنا أن نبين حاله ليعلم الناظر أنه على تقدير صحة النقل عنه ليس ممن يبعد في كلامه الخطأ.