السلام والدعاء إلى آخره، وظاهر ذلك أنه يستقبل القبر في السلام والدعاء جميعا.
وهكذا أصحابنا وغيرهم إطلاق كلامهم يقتضي أنه لا فرق في استقبال القبر بين حالتي السلام والدعاء، وكذا ما قدمنا الآن عن إبراهيم الحربي وقد صرح أصحابنا بأنه يأتي القبر الكريم فيستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر ويبعد من رأس القبر نحو أربع أذرع فيسلم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ثم يتأخر صوب يمينه فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه، ثم يتأخر أيضا فيسلم على عمر رضي الله عنه ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ويقول حكاية العتبي ثم يتقدم إلى رأس القبر فيقف بين القبر والأسطوانة التي هناك ويستقبل القبلة ويحمد الله تعالى ويمجده ويدعو لنفسه ولوالديه ومن شاء بماء أحب.
وحاصله أن استقبال القبلة في الدعاء حسن واستقبال القبر أيضا حسن، لا سيما حالة الاستشفاع به ومخاطبته، ولا أعتقد أن أحدا من العلماء كره ذلك ومن ادعى ذلك فليثبته، وبعد هذا قال المحقق إن الحكاية التي زعم ابن تيمية أنها مكذوبة على مالك وأن مذهبه بخلافها، ذكرها القاضي عياض في الشفاء في الباب الثالث في تعظيم أمره ووجوب توقيره وبره صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يعقبها بإنكار ولا قال إن مذهبه بخلافها، بل قال في الباب الرابع في فصل في حكم زيارة قبره صلى الله تعالى عليه وسلم قال مالك في رواية ابن وهب: إذا سلم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ودعا، يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة، ويدنو ويسلم ولا يمس القبر بيده، فهذا نص عن مالك من طريق أجل أصحابه وهو عبد الله بن وهب أحد الأئمة الأعلام صريح في أنه يستقبل عند الدعاء القبر لا القبلة.
وذكر القاضي عياض أنه قال في المبسوط لا أي أن يقف عند القبر يدعو ولكن يسلم ويمضي، قلت فالاختلاف بين المبسوط ورواية ابن وهب في كونه يقف للدعاء، أولا وليس في الاستقبال وقد قدمنا عن كثير من كتب المالكية أنه يقف ويدعو ولم نر أحدا منهم قال بأنه إذا وقف عند القبر يستدبره ويدعو فكيف يحل لذي علم أن يدعي أن مذهب مالك بل مذهب جميع العلماء بخلاف الحكاية المذكورة ويجعل ذلك وسيلة