عند قبور شرفت بمن دفن فيها لتنالهم بركة أصحابها الذين جعلهم الله مباركين كما يصلون عند المقام الذي هو حجر شرف بملامسة رجل إبراهيم الخليل (ع) لقوله تعالى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) الذي يفهم منه إن سبب اتخاذ المصلى عنده تبركه بقيامه عليه ويدعون الله عندها لشرفها أيضا بمن دفن فيها فيكون دعاؤهم عندها أرجى للإجابة كالدعاء في المسجد أو الكعبة أو أحد الأمكنة أو الأزمنة التي شرفها الله ولكن ابن تيمية تعود بسرد الدعاوى المنفية بلا دليل بل مصادمة للضرورة وتتابع أدوات النفي لترويج مدعياته كما أن دعواه اتفاق أئمة السلف كلهم على أن الصلاة في البيوت أفضل منها عند قبور الأنبياء والصالحين دعوى مجردة عن الدليل فمن هو الذي صرح بذلك من أئمة السلف فضلا عن كلهم فليأتنا بواحد منهم إن كان من الصادقين (وعن الخصائص الكبرى للسيوطي) في قصة المعراج عن النبي " ص " قال فركبت ومعي جبرئيل فسرت فقال انزل فصل ففعلت فقال أتدري أين صليت بطيبة وإليها المهاجرة ثم قال انزل فصل ففعلت فقال أتدري أين صليت صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى ثم قال انزل فصل ففعلت فقال أتدري أين صليت صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى " انتهى " ومنه يفهم أن محل ولادة عيسى ينبغي الصلاة فيه كطيبة وطور سيناء لفضله وبركته بولادة عيسى فيه أفلا يكون المكان الذي بورك بوجود جسد النبي " ص " فيه مباركا مستحقا لاستحباب الصلاة وعبادة الله تعالى فيه ولا يكون مكان ولادة النبي " ص " مستحقا لأن يتبرك به بل مستحقا للهدم والمحو كما فعلته الوهابية به " وقال ابن القيم " تلميذ ابن تيمية في كتابه زاد المعاد على ما حكي عنه: إن عاقبة صبر هاجر وابنها على البعد والوحدة والغربة والتسليم إلى ذبح الولد آلت إلى ما آلت إليه من جعل آثارهما ومواطئ أقدامهما مناسك لعبادة المؤمنين ومتعبدات لهم إلى يوم القيامة " انتهى " فإذا كانت آثار إسماعيل وهاجر لأجل ما مسهما من الأذى مستحقة لجعلها مناسك ومتعبدات فآثار أفضل المرسلين الذي قال ما أوذي نبي قط كما أوذيت لا تستحق أن يعبد الله فيها وتكون عبادة الله عندها والتبرك بها شرا وكفرا! وقد كانت عائشة ساكنة في الغرفة التي دفن فيها النبي " ص " وبقيت ساكنة فيها بعد دفنه ودفن صاحبيه وكانت تصلي فيها وذلك يبطل قول الوهابية بعدم جواز الصلاة عند القبور كما مر في فصل البناء على القبور.
(٣٤٠)