وعدم جواز تكفير المقر بالشهادتين إلا بما يوجب كفره على اليقين وعدم جواز التهجم على الدماء والأموال والأعراض بغير اليقين كما مر في المقدمات فيكون ذلك هو المحذوف المطلوب من المدعو في الوجه الأول ويكون إسناد الفعل إلى المدعو مجازا في الإسناد في الوجه الثالث من باب الإسناد إلى السبب لكونه بدعائه وشفاعته سببا في ذلك كما في بنى الأمير المدينة وشفى الطبيب المريض فإن ذلك صحيح في لغة العرب كثير فيها وفي القرآن الكريم وهو المسمى عند علماء البيان بالمجاز العقلي وهو إسناد الفعل إلى غير ما هو له من سبب أو غيره، والقرينة عليه هنا ظاهر حال المسلم فإن كون المتكلم به مسلما يعتقد ويقر بأن من عدا الله تعالى لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا إلا بإقدار الله تعالى يكفي قرينة على ذلك ولهذا ذكر علماء البيان أن مثل انبت الربيع البقل إذا صدر من الدهري كان حقيقة وإذا صدر من المسلم كان مجازا عقليا كما تقدم تفصيله في المقدمات وأي فارق بين انبت الربيع البقل وبين ما نحن فيه فليكن هذا الإسناد كإسناد الرزق وما يجري مجراه إلى غير الله تعالى في قوله تعالى (فارزقوهم منها. ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله. وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله) والإغناء لا يقدر عليه إلا الله فكيف نسبه إلى الرسول " ص " وجعله شريكا لله في ذلك وهل هو إلا كالرزق الذي لا يقدر عليه إلا الله تعالى وهم قد جعلوا قول ارزقني: شركا وكفرا وقد نسب الله تعالى إلى عيسى عليه السلام الخلق وإبراء الأكمة والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله بقوله حكاية عنه (إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله) فكيف جاز نسبة ذلك إليه ولم يكن كفرا ولا شركا ولم يجز نسبة شفاء المريض وقضاء الدين والرزق ونحو ذلك إلى النبي أو الولي بإذن الله فإن كان المانع أنه لا يقدر عليه إلا الله فالكل كذلك وإن كان عدم القدرة بعد الموت فهي حاصلة بما دل على حياة الأنبياء بل وغيرهم في عالم البرزخ.
وإلى ما ذكرناه أشار عالم المدينة السمهودي الشافعي في كتابه وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى (1) بقوله: وقد يكون التوسل به (ص) بطلب ذلك الأمر منه بمعنى أنه " ص " قادر على التسبب فيه بسؤاله وشفاعته إلى ربه فيعود إلى طلب دعائه وإن اختلفت العبارة