لم يكن عابدا له ولا آثما. فقوله تعالى (فلا تدعوا مع الله أحدا) لا يراد به مطلق الدعاء قطعا بل دعاء خاصا وهو الدعاء المساوي لدعاء الله تعالى باعتقاد أن المدعو قادر مختار مساو لله في ذلك كما كان غير المسلمين يفعلون ذلك في معابدهم أو دعاء من نهى الله عن دعائه من الأصنام والأوثان التي هي أحجار وأشجار لا تعقل ولا تسمع ولا تضر ولا تنفع ولا تسأل ولا تشفع كما كان يفعله المشركون في الكعبة أو دعاء الملائكة والجن الذين كانوا يعبدونهم ويعتقدون أن لهم تأثيرا في الكون مع الله بأنفسهم أو يشفعون عنده اضطرارا بحيث لا يرد شفاعتهم أو نحو ذلك مما لم يجعله الله لهم وكذلك قوله " ص " الدعاء مخ العبادة أو هو العبادة لا يراد به مطلق الدعاء بل دعاء خاص كما أريد بالآية الكريمة بل لا يبعد أن يراد بالدعاء فيه خصوص دعاء الله تعالى أي إن دعاء الله تعالى مخ عبادة الله تعالى وذلك لاشتماله على نهاية الذل والخضوع والعبادة أقصى نهاية الخضوع والذل لأنها مأخوذة من قولهم طريق معبد أي مذلل فتكون الألف واللام فيه نائبة عن الإضافة فهي عهدية لا جنسية. وآيات (والذين تدعون من دون الله لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون. إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم) دالة على أنهم كانوا يعتقدون أنهم قادرون على نصرهم بأنفسهم لا بدعائهم وشفاعتهم وإلا لم تكن الآيتان ردا عليهم ولكان لهم أن يقولوا إنهم وإن لم يقدروا على نصرنا بأنفسهم فهم قادرون عليه بالتسبب بدعاء الله لنا الذي وعد إجابة الدعاء ونحن لم نطلب منهم غير ذلك وأنهم وإن كانوا عبادا أمثالنا فهم قادرون على أن يشفعوا لنا عند الله الذي جعل لهم الشفاعة بإذنه فيستأذنونه ويشفعون هذا إن كانوا من الأنبياء أو الصلحاء.
إذا عرفت ذلك ظهر لك أن من دعا نبيا واستغاث به فذلك لا يدخل في الدعاء المنهي عنه في الآية لأن هذا الدعاء والاستغاثة لا يخرج عن طلبه منه أن يدعو الله له أو يشفع له عنده الذي هو في معنى الدعاء فمن طلب ذلك مع اعتقاد أن الأمر فيه لله إن شاء أجاب دعاءه وقبل شفاعته وإن شاء رد لا يدخل في النهي قطعا بعد ما عرفت أن المنهي عنه ليس مطلق الدعاء بل دعاء مخصوص مع أن طلب الدعاء والشفاعة ممن جعل الله له ذلك لا يخرج عن دعاء الله تعالى وعبادته وتعظيم شأنه والتوسل إليه بأنواع الوسائل وفي ذلك مبالغة في التضرع إليه والطلب منه الذي علم أنه يحبه ويرضاه وأنه مخ العبادة له. والمعنى