وقال ابن تيمية في رسالة الواسطة (1) في جواب مسألة عن رجلين تناظرا فقال أحدهما لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله فإنا لا نقدر أن نصل إليه بغير ذلك: إن أراد أنه لا بد من واسطة تبلغنا أمر الله فهذا حق، إلى أن قال: وإن أراد أنه لا بد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يكون واسطة رزق العباد ونصرهم وهداهم يسألونه ذلك فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء يجتلبون بهم المنافع ويجتنبون المضار، إلى أن قال: فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات فهو كافر بإجماع المسلمين، إلى أن قال: ومن أثبت مشايخ العلم والدين وسائط بين الله وخلقه كالحجاب بين الملك ورعيته يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه فالله إنما يهدي ويرزق بتوسطهم فالخلق يسألونهم وهم يسألون الله تأدبا أو لأن سؤالهم أنفع لقربهم فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل " انتهى ".
والجواب: أن ما ذكره من القول بأنه لا بد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار أو إن المشايخ وسائط كالحجاب بين الملك ورعيته والله لا يهدي ولا يرزق إلا بتوسطهم غير موجود لأحد من المسلمين فسواء كان جعل ابن تيمية له كفرا وشركا صوابا أو خطأ لا يضر أحدا وذكره له تطويل بلا طائل فلا نطيل برده وإن كانت دعواه الاجماع على التكفير بالأول غير ثابتة ولا مستند لها ومن الذي عنون هذه المسألة الفرضية وتكلم على حكمها من المسلمين حتى يدعي إجماعهم على ذلك على أن مجرد سؤال غفران الذنب وتفريج الكرب ونحو ذلك لا يعد غلطا وخطأ وفضلا عن أن يكون شركا وكفرا لأنه محمول على الصحة من باب المجاز في الإسناد بإرادة الإسناد إلى السبب كما فصلناه في المقدمات وفي تضاعيف ما مر كما أن حكمه بكفر وشرك من أثبت المشائخ واسطة على النحو المذكور واستحلال دمه إن لم يتب. لو فرض وجود من يعتقد ذلك لا دليل عليه وهو تهجم على الدماء وتقول على الله لأن الظاهر مراده أنهم وسائط وشفعاء إلى الله في ذلك لا أنهم يفعلونه من أنفسهم كما صرح به في قوله: ومن أثبت مشايخ العلم إلى قوله: فالخلق