تعالى في كشف الشدائد والبلوى كل هذا رأيناه وسمعناه عنهم فهل سمعت من جاهلية العرب مثل هذه الغرائب التي ينتهي عندها العجب والكلام مع ذكي القلب يقظ الذهن قوي الهمة العارف بالحقائق ومن لا ترضى نفسه بحضيض التقليد في أصول الديانات والتوحيد وأما ميت القلب بليد الذهن وضيع النفس جامد القريحة ومن لا تفارق همته التشبث بأذيال التقليد والتعلق على ما يحكى عن فلان وفلان في معتقد أهل المقابر والتنديد فذاك فاسد الفطرة معتل المزاج وخطابه محض عناء ولجاج. ومن وقف على كتب المتصوفة ومناقب مشايخهم وقف على ساحل بحر من ضلالهم وفي حاشية البيجوري على السنوسية نقلا عن الدردير عن الشعراني أن الله وكل بقبر كل ولي ملكا يقضي حاجة من سأل ذلك الولي فقف هنا وانظر إلى ما آل إليه إفكهم فأين هذا من قوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني " الآية " ادعوا ربكم تضرعا وخفية. فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب. أم من يجيب المضطر إذا دعاه. وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) وأي حجة في هذا الذي قاله الشعراني لو كانوا يعلمون ولكن القوم أصابهم داء الأمم قبلهم فنبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. ومن هذا الجنس ما ذكره الشعراني في ترجمة شمس الدين الحنفي أنه قال في مرض موته من كانت له حاجة فليأت قبري ويطلب أن أقضيها له فإنما بيني وبينه ذراع من تراب وكل رجل يحجبه عن أصحابه ذراع من تراب فليس برجل وباب تصرف المشايخ والأولياء قد اتسع حتى سلكه جمهور من يدعي الإسلام من أهل البسيطة وخرقه قد هلك في بحاره أكثر من سكن الغرباء وأظلته المحيطة حتى نسي القصد الأول من التشفع والوساطة فلا يعرج عليه عندهم إلا من نسي عهود الحمى فعاد الأمر إلى الشرك في توحيد الربوبية والتدبير والتأثير ولم يبلغ شرك الجاهلية الأولى إلى هذه الغاية بل ذكر الله عز وجل أنهم يعترفون له بتوحيد الربوبية ويقرون به ولذلك احتج عليهم في غير موضع من كتابه بما أقروا به من الربوبية والتدبير على ما أنكروه من الإلهية. ومن عجيب أمرهم ما ذكره حسين بن محمد النعيمي اليمني في بعض رسائله إن امرأة كف بصرها فنادت وليها أما الله فقد صنع ما ترى ولم يبق إلا حبك " انتهى ". وروي أن بعض المغاربة قدموا مصر يريدون الحج فذهبوا إلى الضريح المنسوب إلى الحسين رضي الله عنه
(١٩٣)