كل أمة رسولا أن اعبدوا الله) فأفاد أن جميع الأمم لم ترسل إليهم الرسل إلا لطلب توحيد العبادة (أن لا تعبدوا إلا الله. وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) وكل رسول أول ما يقرع به أسماع قومه (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون) ولم ترسل الرسل لطلب توحيد الربوبية لأن المشركين مقرون به بدليل قوله تعالى (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله. ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم. قل من يرزقكم) الآيات المتقدمة في كلام ابن عبد الوهاب. وكل مشرك مقر بأن الله خالقه وخالق السماوات والأرض ولهذا احتج عليهم الرسل بقولهم (أفمن يخلق كمن لا يخلق. إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له) والعبادة اعتقادية كالاعتقاد بالتوحيد ولفظية كالنطق بكلمته وبدنية كالصلاة ومالية كالزكاة.
والعبادة أقصى باب الخضوع والتذلل ولم تستعمل إلا في الخضوع لله لأنه مول أعظم النعم فكان حقيقا بأقصى غاية الخضوع كما في الكشاف.
ورأس العبادة وأساسها التوحيد الذي تفيده كلمته والمراد اعتقاد معناها وهو إفراد الله بالعبادة والإلهية والنفي والبراءة من كل معبود دونه لا مجرد قولها وقد علم الكفار هذا المعنى لأنهم أهل اللسان فقالوا (أجعل الآلهة إلها واحدا) وقالوا (أجئتنا لنعبد الله وحده) أي لنفرده بالعبادة دون الأوثان فأنكروا إفراده بالعبادة وعبدوا معه غيره واتخذوا له أندادا قال تعالى (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) أي وأنتم تعلمون أنه لا ند له وكانوا يقولون في تلبيتهم للحج:
لبيك لا شريك لك * الا شريكا هو لك تملكه وما ملك فالمشركون إنما أشركوا في العبادة ولم يشركوا في توحيد الربوبية وكانت عبادتهم للأصنام هي اعتقادهم فيهم أنهم يضرون وينفعون ويقربونهم إلى الله زلفى ويشفعون لهم عنده فنحروا لهم النحائر وطافوا بهم ونذروا النذور عليهم وقاموا متذللين متواضعين في خدمتهم وسجدوا لهم ولم يعبدوهم بالخضوع لهم والتقرب بالنذور والنحر لهم إلا لاعتقادهم أنها تقربهم من الله زلفى وتشفع لهم لديه وقالوا وهم في النار: (تالله إن كنا لفي