ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين) مع أنهم لم يسووهم به من كل وجه ولا جعلوهم خالقين رازقين وكان المشركون منهم من يعبد الملائكة ويناديهم عند الشدائد ومنهم من يعبد أحجارا ويهتف بها عند الشدائد فبعث الله محمدا " ص " يدعوهم إلى إفراد الله بالعبادة كما أفردوه بالربوبية وأن لا يدعوا مع الله أحدا قال تعالى: له دعوة الحق (الآية) وقال (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) أي من شرط الصدق (كذا) بالله أن يفردوه بالتوكل كما يجب إفراده بالدعاء والاستغفار وهذه الحال التي أشرك بها السابقون بشرك العبادة هي بعينها حال المسلمين مع الأنبياء والصالحين وغيرهم فاعتقدوا فيهم أنهم يضرون وينفعون ويقربون إلى الله ويشفعون عنده فدعوهم ونادوهم في الشدائد والرخاء وهتفوا بأسمائهم واستغاثوا واستعانوا وتوسلوا وتشفعوا وحلفوا بهم وطلبوا منهم ما لا يطلب إلا من الله من عافية المريض وقدوم الغائب ونيل المطالب ونذروا لهم بأموالهم وأولادهم ونحروا على قبورهم وطافوا بها وتبركوا وتمسحوا بها فصار الذين يعتقدون في القبور والأولياء والفسقة والخلعاء مشركين كالذين يعتقدون في الأصنام لأنه قد حصل منهم ما حصل من أولئك وساووهم في ذلك بل زادوا في الاعتقاد والانقياد والاستعباد فلا فرق بينهم.
وكما أن السابقين كانوا مقرين بتوحيد الربوبية ولم ينفعهم ذلك لأنهم مشركون بالعبادة فلم ينفعهم إقرارهم بالله لأنه نافاه فعلهم كذلك المسلمون وإن كانوا مقرين بتوحيد الربوبية لم ينفعهم إقرارهم لأنه نافاه عملهم.
فالمشركون لم يتخذوا الأصنام ولم يعبدوها ولم يتخذوا المسيح وأمه والملائكة شركاء لله لأنهم أشركوهم في الخلق بل لأنهم يقربونهم إلى الله زلفى كما قالوه وإنهم شفعاء عند الله قال الله تعالى (قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون) فجعل اتخاذهم للشفعاء شركا ونزه نفسه عنه لأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه فكيف يثبتون شفعاء لهم لم يأذن الله لهم في شفاعة ولا هم أهل لها ولا يغنون عنهم من الله شيئا. فما يفعله المسلمون هو بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية وإنما يفعلونه لما يسمونه وثنا وصنما وفعله القبوريون لما يسمونه وليا وقبرا ومشهدا والأسماء لا تغير المعاني فمن شرب الخمر وسماها ماء ما شرب إلا خمرا ولعل عقابه أشد للتدليس والكذب وقد ثبت في الأحاديث أنه يأتي قوم يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها وصدق " ص " فإنه أتى