* الخامس عشر * لا شك أن الله تعالى فاوت بين مخلوقاته في الفضل فجعل بعضها أفضل من بعض من الأزمنة والأمكنة والأحجار والآبار والحيوانات وبني آدم وغير ذلك ففي الأزمنة فضل شهر رمضان على سائر شهور السنة وجعل فيه ليلة القدر وجعلها خيرا من ألف شهر وجعل من أشهر السنة الاثني عشر أربعة حرما حرم فيها القتال وفضل يوم الجمعة على سائر الأيام وفضل ساعة منه على سائره. وفي الأمكنة فضل الكعبة على سائر بقاع الأرض وتعبد الناس بالحج إليها والطواف حولها ومكة والمقام وحجر إسماعيل والمسجد والمساجد الأربعة والمسجد الحرام منها على غيرها. وفي الأحجار فضل الحجر الأسود على غيره وتعبد الناس باستلامه وتقبيله وفي الآبار فضل بئر زمزم على غيره وفي الحيوانات فضل الخيل على غيرها وأمر بارتباطها وإكرامها وجعل الخير معقودا بنواصيها وجعل بعض دم الغزال مسكا وفي ذلك يقول الشاعر:
فإن تفق الأنام وأنت منهم * فإن المسك بعض دم الغزال وفي بني آدم فضل الأنبياء على غيرهم ومحمدا (ص) على سائر الأنبياء والشهداء على غيرهم والعلماء على الشهداء وعلى بعض الأنبياء بل الشئ الواحد له فضل في حال دون حال فالكنيف لا فضل له وهو منتهى الخسة فإذا جعل مسجدا صار معظما عند الله وحرم تنجيسه ووجب تعظيمه وجلد الشاة يجعل نعلا وحذاء فيكون في منتهى الإهانة ويعمل جلدا للقرآن الكريم فيكون في منتهى الإكرام والإعظام كما قال الشاعر:
أو ما ترى نوع الأديم فإنه * منه الحذاء ومنه جلد المصحف والرجل يكون كسائر الناس فيبعثه الله بالنبوة فتجب إطاعة أمره ونهيه أو ينصبه النبي " ص " بعده خليفة أو المسلمون فيدخل في قوله تعالى: أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم. ومن هذا القبيل البقعة من الأرض تكون كسائر البقاع فيدفن فيها نبي أو ولي فتكسب شرفا وفضلا وبركة بدفنه لم تكن لها من قبل ويجب احترامها وتحرم إهانتها لحرمة من فيها ومن احترامها قصدها لزيارة من فيها وبناء القباب عليها والحجر حولها لتقي زائريها من الحر والبرد وعمل الأضرحة لها التي تصونها عن كل إهانة وإيقاد المصابيح عندها لانتفاع زائريها واللاجئين إليها وجعل الخدمة والسدنة