وإنزال حاجات الدنيا والآخرة به على أنه الفاعل المختار والمالك الحقيقي لأمور الدنيا والآخرة والمتصرف فيها كما يشاء فمن دعا مخلوقا على هذا النحو كان عابدا له أما من دعاه ليشفع له إلى الله بعد ثبوت أن الله جعل له الشفاعة فلا يكون عابدا له ولا فاعلا ما لا يحل.
فظهر أنه ليس كل ما يطلق عليه اسم العبادة موجبا للشرك والكفر إذا وقع لغير الله بل ولا محرما إلا أن ينص الشارع على تحريمه كالسجود للشمس والقمر المنهي عنه في القرآن والسجود لغير الله المتفق على تحريمه وأن مطلق الخضوع والانقياد لغير الله لا يوجب ذلك ولو فرض أنه سمي عبادة وأن العبادة التي يترتب عليها ذلك ليست العبادة اللغوية بل عبادة خاصة لا يمكن معرفتها إلا ببيان الشارع وبدون بيانه تكون مجملة وأنه لا يجوز ترتيب حكم الشرك والكفر بل ولا التحريم على ما يسمى عبادة إلا إذا علم أنها من تلك العبادة الخاصة ومع الشك أو الظن لا يجوز ترتيب ذلك الحكم فإذا فرض ورود النهي عن عبادة غير الله فما علم أنه من المنهي عنه حرم وما لم يعلم لم يلحقه الحكم كالتكفير (1) والانحناء عند غير العرب ورفع اليد عند الجنود وكشف الرأس عند الإفرنج وغير ذلك للعلم بأن المنهي عنه ليس مطلق ما يسمى عبادة وخضوعا.
ثم إن الذي علم ترتب حكم الشرك والكفر عليه من العبادات أو الاعتقادات أمور (الأول) اعتقاد المساواة لله تعالى في جميع الصفات أو أنه هو الله ولو بطريق الحلول.
(الثاني) إنكار الشرائع وتكذيب الرسل وإن اعترف فاعله بتوحيد الله تعالى ولم يعبد وثنا بل بقي على شريعة منسوخة.
(الثالث) ما ذكر مع عبادة الأوثان بما لم يأذن به الله تعالى بل نهى عنه من سجود ونحر وذبح لها وذكر اسمها عليه وطليها بدمه وتعظيم باعتقاد استحقاق ذلك بالاستقلال لرفعة ذاتية واعتقاد أن له تدبيرا واختيارا كما كان يفعله عبدة الأصنام سواء كان مع الاعتراف بوجود آله وعدمه.