الله تعالى الاستغاثة إلى غيره من المخلوق وكفى به دليلا على جوازها فإن قيل إن المستغاث في هذه الآية حي وله قدرة وإنما كلامنا في الميت أجيب بأن نسبة القدرة إليه إن كانت استقلالا فهي كفر وإن كانت بقدرته تعالى على أن يكون هو السبب والوسيلة ليس إلا فلا فرق بين الحي والميت فإن الميت له كرامة وإذا لم تنسب الإغاثة إلى الله حقيقة وإلى غيره مجازا كانت الاستغاثة ممنوعة ومن هنا تعلم سر نفي النبي صلى الله عليه وسلم الاستغاثة عن نفسه عندما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه قوموا نستغيث برسول الله من هذا المنافق فقال عليه السلام (لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله) مع أن النبي كان حينئذ حيا وله قدرة فإنما قصد صلى الله عليه وسلم نفي الاستغاثة الحقيقية فأراد تعليم أمته أنها لا تكون إلا بالله.
ومنها قوله تعالى (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) قال بعض المفسرين إن العهد هو قوله لا إله إلا الله محمد رسول الله وعليه فمعنى الآية لا يشفع الشافعون إلا لمن قال لا إله إلا الله وهم المؤمنون كقوله تعالى (لا يشفعون إلا لمن ارتضى) وهو معنى بعيد أن يكون حينئذ تقدير الآية لا يملكون الشفاعة لأحد إلا من اتخذ الخ وفيه من التكلف ما فيه والأحسن أن يكون تفسير قوله لا يملكون بمعنى لا ينالون فحينئذ يصح الاستثناء بدون تقدير شئ وقيل معناه لا يملك الشفاعة إلا من قال لا إله إلا الله أي لا يشفع إلا المؤمنون ومثله قوله تعالى (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق) والشهادة بالحق هي قول لا إله إلا الله وحيث كان المراد من التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين والطلب منهم هو استشفاعهم وقد أخبر تعالى أنهم يملكون الشفاعة فأي مانع من طلب