فإن السكين لا يقطع بنفسه بل القاطع هو الله تعالى والسكين سبب عادي خلق الله تعالى القطع عنده قال السبكي والقسطلاني (في المواهب اللدنية) والسمهودي في (تاريخ المدينة) وابن حجر في (الجوهر المنظم) إن الاستغاثة به عليه الصلاة والسلام وبغيره من الأنبياء والصالحين إنما هي بمعنى التوسل إلى الله بجاههم والمستغيث يطلب من المستغاث به أن يجعل له الغوث ممن هو أعلى منه فالمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم واسطة بين المستغيث وبين المستغاث به الحقيقي فالغوث منه تعالى إنما يكون خلقا وإيجادا والغوث من النبي عليه الصلاة والسلام إنما يكون تسببا وكسبا وقد جوز أجلة العلماء الاستغاثة والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يعارض جوازها بخبر أبي بكر رضي الله عنه (قوموا نستغيث برسول الله من هذا المنافق) فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إنه لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله) لأن من رواته ابن لهيعة والكلام فيه مشهور. ولو فرضنا أن الحديث صحيح فهو من قبيل قوله تعالى (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).
وقوله عليه الصلاة والسلام (ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم) فيكون معنى الحديث السابق أني وإن يستغاث بي فالمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى. وبالجملة فإطلاق لفظ الاستغاثة على من يحصل منه غوث ولو تسببا وكسبا أمر نطقت به اللغة وجوزه الشرع فتعين تأويل الحديث المذكور ويؤيد ما بيناه في تأويله حديث البخاري في الشفاعة يوم القيامة. فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم لنا على جواز التوسل والاستغاثة دلائل منها قوله تعالى (يا أيها الذين