الفجر الصادق - جميل صدقى الزهاوي - الصفحة ٦٥
مسألة تكفير كافة المسلمين الذين رضي الله لهم الإسلام دينا فقد كفرتهم لتنزيههم الله تعالى عن الجسمية وكفرتهم لأخذهم بالإجماع وكفرتهم لتقليدهم الأئمة المجتهدين في الدين وكفرتهم لاستشفاعهم بنبيهم صلى الله عليه وسلم بعد موته وتوسلهم به إلى الله تعالى وكفرتهم لزيارتهم القبور لا يخفى على البصير أن زائر القبور يقصد بزيارتها إما الاستشفاع والتوسل إلى الله بأصحابها والتبرك بهم كما في زيارة قبور الأنبياء والأولياء وإما الاعتبار بالقوم الماضين تمكينا للخشوع من قبله ونيلا للأجر بقراءة الفاتحة والدعاء لهم بالمغفرة كما في زيارة قبور سائر المسلمين. أو يقصد تذكر من مات من ذويه الأقربين. وأحبائه الراحلين. وأعزته الذين غالتهم يد المنون فأسكنتهم القبور بعد القصور فذهبوا عنه ذهابا ليس وراءه إياب وغادروه كئيبا يندب الأسى ولسان حاله يقول (ألا يا راحلا عنا مجدا * على مهل فديتك من مجد) (فلا تعجل وسر سير الهوينا * لأنك راحل من غير عود) وتدفعه احساساته إلى زيارة قبورهم فيقف على دوارس أجداثهم حزينا يسكب على ترابها عبرات الأسف ولسان حاله ينشد (ذهب الذين أحبهم * وبقيت مثل السيف فردا) (كم من أخ لي صالح * بوأته بيدي لحدا) وليس في كل هذا ما يستلزم تكفير المسلم الذي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولا أظن أن الجاهل الغر من أناس فضلا عن العالم المتشرع تدفعه جهالته أن يقصد بزيارة القبر عبادته وأن يعتقد كونه يقضي حاجته فيخلق له ما يريد
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»