وعنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكن يسأم من ثناء عليها واستغفار، فذكرها ذات يوم فاحتملتني الغيرة، فقلت لقد عوضك الله من كبيرة السن. قالت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب غضبا شديدا، وسقطت من جلدي، فقلت: " اللهم إنك إذا أذهبت غضب رسولك عني لم أعد لذكرها بسوء ما بقيت ". قالت فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقيت، قال: " كيف قلت؟؟: والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، ورزقت منها الولد وحرمتموه مني " قالت - رضي الله عنها - فغدا وراح علي بها شهرا " (1).
وجاءت أخت السيدة خديجة وكان اسمها هالة، ففرح بها النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان صوتها يشبه صوت السيدة خديجة - رضي الله عنها - وأحست أم المؤمنين عائشة بغيرة، فقالت: " وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر بدلك الله خيرا منها ".
وهنا يتمثل الوفاء الصادق، والود الخالص، فعلى الرغم من محبته - صلى الله عليه وسلم - لأم المؤمنين عائشة، وهي زوجته البكر الصغيرة الحسيبة النسيبة، إلا أنه لم يقبل في السيدة الكريمة خديجة أية كلمة ولو مزاحا، ولهذا فقد غضب صلى الله عليه وسلم، وقال في وفاء لتلك المرأة العظيمة، وإعزاز:
" لا والله ما أبدلني الله خيرا منها..
لقد آمنت بي حين كفر بي الناس..
وصدقتني حين كذبني الناس..
وواستني حين حرمني الناس..
ورزقني الله منها ولدا، ولم يرزقني من سواها.. " (2).