سكنت هذه النفس القوية جثمانا يضيق بروحها، وقلما رزق الراحة من اجتمع له النفس القوية والجثمان الضعيف، فإنهما مزيج متعب للنفس والجسم معا، لا قوام له بغير راحة واحدة: هي راحة الإيمان، وهذا هو التوفيق الأكبر في نشأة الزهراء، فإنها نشأت في جهد الإيمان إذ هو ألزم ما يكون لها بين قوة نفسها ونحول جثمانها، في أخلاق السيدة فاطمة مدد صلح للثبات على الحق الذي يعتقده صاحبه أو يذاد عنه فلا ينكص عنه على رغم.
كانت شديدة الاعتزاز بانتسابها إلى أبيها وكانت مفطورة على يقين التدين، وكانت ذات إرادة لا تهمل في حساب شأن من شؤونها فظهر منها في المواقف القليلة التي نقلت عنها أنها كانت ذات إرادة قوية، وعزيمة شديدة ونفس كريمة.
كان من اعتزازها بالانتساب إلى أبيها أنها كانت تسر بمشابهة أبنائها لأبيها، وكانت تذكر ذلك حين تدللهم وتلاعبهم فلم يكن أحب إليها من أن يقال لها إن أسباط رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبهون رسول الله.
وكانت فطرة التدين فيها فطرة ورثتها من أبوين كريمين، وحسبها ما ورثته عن خاتم الأنبياء وما تعلمته منه بالتربية والمجاورة، ولكنها أضافت إليه ما ورثته من أمها السيدة خديجة بنت خويلد، وجدها خويلد هو الذي تصدى لملك اليمن من قوم تبع الذي حاول الاعتداء على الكعبة، وكان ذلك التصدي بسبب غيرة والد السيدة على الكعبة، وهي كذلك ابنة عم ورقة بن نوفل الذي اشتهر بتحنفه، وصرف جل وقته في التعرف على التوراة والإنجيل وما فيهما من بشارات ببعثة آخر الأنبياء، وهو الذي بشر النبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة حين جاءه مع زوجه خديجة وقص عليه ما رأى حين جاءه الوحي أول مرة في غار حراء.
ومن عمق التدين، وصدق الإيمان في هذه السيدة العظيمة، أنها كانت شديدة التحرج فيما اعتقدته من أوامر الدين حتى أنها لتحتاط وتعمل بالأحوط في كل شئ. وكانت أشبه الناس بأبيها في مشيتها وحديثها