شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٥٠
كانت ما موصولة فالقول بالتحقيق هو المعنى وإن كانت مصدرية فالقول إن حمل على اللفظي فالثواب عليه لدلالته على وجود المعنى في النفس وإن حمل على النفس فهو نفس التصديق ويدل على ما ذكرنا قوله تعالى * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * حيث رتب على القول الخالي عن تصديق القلب العقاب بالنار والمخالف أيضا لا يخالف في ذلك وقوله تعالى * (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) * حيث نفى الإيمان عمن أقر باللسان دون القلب وثانيهما أن النبي عليه السلام ومن بعده كانوا يكتفون من كل أحد بمجرد الإقرار والتلفظ بكلمتي الشهادة حتى أن أسامة حين قتل من قال لا إله إلا الله ذهابا إلى أنه لم يكن مصدقا بالقلب أنكر عليه النبي عليه السلام وقال هلا شققت قلبه وقال عليه السلام أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم قلنا هذا في حق أحكام الدنيا وإنما النزاع في أحكام الآخرة وإذا تأملت فحديث أسامة لنا لا علينا قال المقام الثاني أن الإيمان في اللغة التصديق بشهادة النقل عن أئمة اللغة ودلالة موارد الاستعمال ولم ينقل في الشرع إلى معنى آخر أما أولا فلأن النقل خلاف الأصل لا يصار إليه إلا بدليل وأما ثانيا فلأنه كثر في الكتاب والسنة خطاب العرب به بل كان ذلك أول الواجبات وأساس المشروعات فامتثل من امتثل من غير استفسار ولا توقف إلى بيان ولم يكن ذلك من الخطاب بما لا يفهم وإنما احتيج إلى بيان ما يجب الإيمان به فبين وفصل بعض التفصيل حيث قال النبي عليه السلام لمن سأله عن الإيمان الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله الحديث فذكر لفظ تؤمن بالله تعويلا على ظهور معناه عندهم ثم قال هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم دينكم ولو كان الإيمان غير التصديق لما كان هذا تعليما وإرشادا بل تلبيسا وإضلالا نعم لو قيل أنه في اللغة لمطلق التصديق وقد نقل في الشرع إلى التصديق بأمور مخصوصة فلا نزاع وإنما المقصود أنه تصديق بالأمور المخصوصة بالمعنى اللغوي وهو ما يعبر عنه بالفارسية بكرويدن وراست كوى داشتن ويخالفه التكذيب وينافيه التوقف والتردد ولهذا اختار العلماء في ألفاظ الإيمان كرويدم باورداشتم راست كوى داشتم بدل وأنه معنى واضح عند العقل لا يشتبه على العوام فضلا عن الخواص والمذهب أنه غير العلم والمعرفة لأن من الكفار من كان يعرف الحق ولا يصدق به عنادا واستكبارا قال الله تعالى * (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون) * وقال * (وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون) * وقال * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) * وقال حكاية عن موسى عليه السلام لفرعون * (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض) * بصائر فاحتيج إلى الفرق بين العلم بما جاء به النبي عليه السلام وهو معرفته
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»