شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٤٥
ولا يقدح في التوبة عن القتل ثم قال وربما لا يصح التوبة بدون الخروج من حق العبد كما في الغصب فإنه لا يصح الندم عليه مع إدامة اليد على المغصوب ففرق بين القتل والغصب قال المبحث الخامس عشر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد جرت عادة المتكلمين بإيرادهما في علم الكلام مع أنهما بالفروع أشبه وكأنهما يشبهان التوبة في الزجر عن ارتكاب المعصية والإخلال بالواجب والمراد بالمعروف الواجب وبالمنكر الحرام ولهذا بنوا القول بأنهما واجبان مع القطع بأن الأمر بالمندوب ليس بواجب بل مندوب والدليل على وجوبهما من غير توقف على ظهور الإمام كما يزعم الروافض والكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله تعالى * (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) * وقوله تعالى * (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر) * وأما السنة فقوله عليه السلام مر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك وقوله عليه السلام لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم وقوله عليه السلام من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان وأما الإجماع فهو أن المسلمين في الصدر الأول وبعده كانوا يتواصون بذلك ويوبخون تاركه مع الاقتدار عليه فإن استدل على نفي الوجوب بقوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) * وقوله تعالى * ( لا إكراه في الدين) * وبما روى عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت قلنا يا رسول الله متى لا يؤمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر قال إذا كان البخل في خياركم وإذا كان الحكم في رذالكم وإذا كان الإدهان في كباركم وإذا كان الملك في صغاركم أجيب بأن المعنى أصلحوا أنفسكم بأداء الواجبات وترك المعاصي وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يضركم بعد النهي عنادهم وإصرارهم على المعصية أو لا يضر المهتدي إذا نهى ضلال الضال وقوله لا إكراه منسوخ بآيات القتال على أنه ربما يناقش في كون الأمر والنهي إكراها أما الحديث فلا يدل إلا على نفي الوجوب عند فوات الشرط بلزوم المفسدة وانتفاء الفائدة فإن من شرائط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علم الفاعل بوجههما من أنه واجب معين أو مخير مضيق أو موسع عين أو كفاية وكذا في المنهى وبالجملة العلم بما يختلف باختلافه حال الأمر والنهي ليقعا على ما ينبغي ومنها تجويز التأثير بأن لا يعلم عدم التأثير قطعا لئلا يكون عبثا واشتغالا بما لا يعني فإن قيل يجب وإن لم يؤثر إعزازا للدين قلنا ربما تكون ذلك إذلالا ومنها انتفاء مضرة ومفسدة أكثر من ذلك المنكر أو مثله وهذا في حق الوجوب دون الجواز حتى قالوا يجوز وإن ظن أنه يقتل ولا ينكى نكاية بضرب ونحوه لكن يرخص له السكوت بخلاف من يحمل وحده على المشركين ويظن أنه يقتل فإنه إنما يجوز إذا غلب على ظنه أنه ينكى فيهم بقتل
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»