شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٥٥
حتى استفتوه في شأن بعض رؤساء الدين وعلماء المسلمين والمهرة من المحققين فأفتى بكفره بناء على أنه أنكر بعض ما أورده هو في تحقيق الإيمان مع أنك إذا تحققت فبعض منازعاتهما لفظي وبعضها اجتهادي إلى غير ذلك من أمور قصد بها صلاح الدين وقمع الجاحدين لكنها أدت إلى ما أدت وأفضت إلى ما أفضت لما أنه ترك الأرفق إلى الأوفق والأليق إلى الأوثق ولا عليه فإنه قد بذل الجهد في إحياء مراسم الدين وإعلاء لواء المسلمين جزاه الله خير الجزاء عن أهل اليقين وأعلى درجته يوم اللقاء في عليين قال المقام الثالث الأعمال غير داخلة في حقيقة الإيمان لوجوه الأول ما مر أنه اسم للتصديق ولا دليل على النقل الثاني النص والإجماع على أنه لا ينفع عند معاينة العذاب ويسمى إيمان اليأس ولا خفاء في أن ذلك إنما هو التصديق والإقرار إذ لا مجال للأعمال الثالث النصوص الدالة على الأوامر والنواهي بعد إثبات الإيمان كقوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) * الرابع النصوص الدالة على أن الإيمان والأعمال أمران متفارقان كقوله تعالى * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن) وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال فقال إيمان لا شك فيه وجهاد لا غلول فيه وحج مبرور والخامس الآيات الدالة على أن الإيمان والمعاصي قد يجتمعان كقوله تعالى * (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) * و * (والذين آمنوا ولم يهاجروا) * * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) * الآية * (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) * السادس الإجماع على أن الإيمان شرط العبادات السابع أنه لو كان اسما للطاعات فأما للجميع فيلزم انتفاؤه بانتفاء بعض الأعمال فلم يكن من صدق وأقر مؤمنا قبل الإتيان بالعبادات والإجماع على خلافه وعلى أن من صدق وأقر فأدركه الموت مات مؤمنا قال في التبصرة قد أجمع المسلمون على تحقيق اسم الإيمان وإثبات حكمه بمجرد الاعتقاد وأما لكل عمل على حدة فيكون كل طاعة إيمانا على حدة والمنتقل من طاعة إلى طاعة منتقلا من دين إلى دين الثامن أن جبرائيل عليه السلام لما سأل النبي عليه السلام عن الإيمان لم يجبه إلا بالتصديق دون الأعمال وقالت المعتزلة نحن لا ننكر استعمال الإيمان في الشرع في معناه اللغوي أعني التصديق لكنا ندعي نقله عن ذلك إلى معنى شرعي هو فعل الطاعات وترك المعاصي لأن المفهوم من إطلاق المؤمن في الشرع ليس هو المصدق فقط ولأن الأحكام المجراة على المؤمنين دون الكفرة ليست منوطة بمجرد المعنى اللغوي ورد بأنا لا ندعي كونه اسما لكل تصديق بل للتصديق بأمور مخصوصة كما في الحديث المشهور فإن أريد بالنقل عن المعنى اللغوي مجرد هذا فلا نزاع ولا دلالة على ما يزعمون من كونه اسما للطاعات فاحتجوا بوجوه
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»