شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٤٨
وإليه ذهب الكرامية حتى أن من أضمر الكفر وأظهر الإيمان يكون مؤمنا إلا أنه يستحق الخلود في النار ومن أضمر الإيمان وأظهر الكفر لا يكون مؤمنا ومن أضمر الإيمان ولم يتفق منه الإظهار والإقرار لم يستحق الجنة وإذا تحققت فليس لهؤلاء الفرق الثلاث كثير خلاف في المعنى وفيما يرجع إلى الأحكام وعلى الثالث وهو أن يكون اسما لفعل القلب واللسان فهو اسم للتصديق المذكور مع الإقرار وعليه كثير من المحققين وهو المحكي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى وكثيرا ما يقع في عبارات التحارير من العلماء مكان التصديق تارة المعرفة وتارة العلم وتارة الاعتقاد فعلى هذا من صدق بقلبه ولم يتفق له الإقرار باللسان في عمره مرة لا يكون مؤمنا عند الله تعالى ولا يستحق دخول الجنة ولا النجاة من الخلود في النار بخلاف ما إذا جعل اسما للتصديق فقط فإن الإقرار حينئذ شرط لإجراء الأحكام عليه في الدنيا من الصلاة عليه وخلفه والدفن في مقابر المسلمين والمطالبة بالعشور والزكوات ونحو ذلك ولا يخفى أن الإقرار بهذا الغرض لا بد أن يكون على وجه الإعلان والإظهار على الإمام وغيره من أهل الإسلام بخلاف ما إذا كان لا تمام الإيمان فإنه يكفي مجرد التكلم وإن لم يظهر على غيره ثم الخلاف فيما إذا كان قادرا وترك التكلم لا على وجه الإباء إذ العاجز كالأخرس مؤمن وفاقا والمصر على عدم الإقرار مع المطالبة به كافر وفاقا لكون ذلك من إمارت عدم التصديق ولهذا أطبقوا على كفر أبي طالب وإن كابرت الروافض غير متألمين في أنه كان أشهر أعمام النبي عليه الصلاة والسلام وأكثرهم اهتماما لشأنه وأوفرهم حرصا من النبي عليه الصلاة والسلام على إيمانه فكيف اشتهر إيمان حمزة والعباس رضي الله عنهما وشاع على رؤس المنابر فيما بين الناس وورد في إيمانهما الأحاديث المشهورة وكثر منهما في الإسلام المساعي المشكورة دون أبي طالب وأما على الرابع وهو أن يكون الإيمان اسما لفعل القلب واللسان والجوارح على ما يقال أنه إقرار باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان فقد يجعل تارك العمل خارجا عن الإيمان داخلا في الكفر وإليه ذهب الخوارج أو غير داخل فيه وهو القول بالمنزلة بين المنزلتين وإليه ذهب المعتزلة إلا أنهم اختلفوا في الأعمال فعند أبي علي وأبي هاشم فعل الواجبات وترك المحظورات وعند أبي الهذيل وعبدالجبار فعل الطاعات واجبة كانت أو مندوبة إلا أن الخروج عن الإيمان وحرمان دخول الجنة بترك المندوب مما لا ينبغي أن يكون مذهبا لعاقل وقد لا يجعل تارك العمل خارجا عن الإيمان بل يقطع بدخول الجنة وعدم خلوده في النار وهو مذهب أكثر السلف وجميع أئمة الحديث وكثير من المتكلمين والمحكي عن مالك والشافعي والأوزاعي رض وعليه إشكال ظاهر وهو أنه كيف لا ينتفي الشيء أعني الإيمان مع انتفاء ركنه أعني الأعمال وكيف يدخل الجنة من لم يتصف بما جعل اسما للإيمان وجوابه أن الإيمان يطلق على ما هو الأصل والأساس في دخول الجنة وهو التصديق وحده أو مع الإقرار وعلى ما هو الكامل المنجي بلا خلاف
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 ... » »»