شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٥٢
كالقيام والقعود أو الكيفيات كالعلم والنظر فاعلم أنه لا إله إلا هو * (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض) * أو الانفعالات كالتسخن والتبرد والحركات والسكنات وغير ذلك كالصلاة أو التروك كالصوم إلى غير ذلك ومع هذا فالواجب المقدور المثاب عليه بحكم الشرع يكون نفس تلك الأمور لا مجرد إيقاعها فكون الإيمان مأمورا به اختياريا مقدورا مثابا عليه لا ينافي كونه كيفية نفسانية يكتسبها المكلف بقدرته واختياره بتوفيق الله تعالى وهدايته على أنه لو لزم كون المأمور به هو الفعل بمعنى التأثير جاز أن يكون معنى الأمر بالإيمان الأمر بإيقاعه واكتسابه وتحصيله كما في سائر الواجبات الثاني أن ابن سينا وهو القدوة في فن المنطق والثقة في تفسير ألفاظه وشرح معانيه صرح بأن التصديق المنطقي الذي قسم العلم إليه وإلى التصور هو بعينه اللغوي المعبر عنه في الفارسية بكرويدن المقابل للتكذيب قال في كتابه المسمى بدانش نامه علائي دانش دوكونه است يكي دربافتن ودررسيدن وآنرا بتازى قصور خوانند ودوم كرويدن وآنرا بتازى تصديق خوانند وهذا صريح بأن ثاني قسمي العلم هو المعنى الذي يوضع بإزائه لفظ التصديق في لغة العرب وكرويدن في لغة الفرس ونفي لما عسى يذهب إليه معاند من أن كرويدن في المنطق غيره في اللغة وقال في الشفاء التصديق في قولك البياض عرض هو أن يحصل في الذهن نسبة صورة هذا التأليف إلى الأشياء أنفسها أنها مطابقة لها والتكذيب يخالف ذلك فلم يجعل التصديق حصول النسبة التامة في الذهن على ما يفهمه البعض بل حصول أن ينسب الذهن الثبوت أو الانتفاء الذي بين طرفي المؤلف إلى ما في نفس الأمر بالمطابقة ومعناه نسبة الحكم إلى الصدق أعني صادق داشتن وكرو بدن وبينه بأنه ضد التكذيب الذي معناه النسبة إلى الكذب أعني كاذب داشتن وبهذا يندفع ما يقال أن الحكم فعل اختياري هو الإيقاع أو الانتزاع فكيف يكون نفس التصديق أو جزؤه والتصديق قسم من العلم الذي هو من مقولة الكيف أو الانفعال ونعم ما قال من قال الإسناد والإيقاع ونحو ذلك ألفاظ وعبارات والتحقيق أنه ليس للنفس ههنا تأثير وفعل بل إذعان وقبول وإدراك أن النسبة واقعة أو ليست بواقعة نعم حصول هذا التصديق قد يكون بالكسب أي مباشرة الأسباب بالاختيار كإلقاء الذهن وصرف النظر وتوجيه الحواس وما أشبه ذلك وقد يكون بدونه كمن وقع عليه الضوء فعلم أن الشمس طالعة والمأمور به يجب أن يكون من الأول فإن قيل فاليقين الحاصل بدون الإذعان والقبول بل مع الجحود والاستكبار كما للسوفسطائي ولبعض الكفار يكون من قبيل التصور دون التصديق وهو ظاهر البطلان قلنا نحن لا ندعي إلا كون التصديق المنطقي على ما يفسره رئيسهم لا على ما يفهمه كل نساج وحلاج هو التصديق اللغوي المقابل للتكذيب المعبر عنه بكرويدن وأنه لا يصح حينئذ بت القول وإطباق القوم على أن المعتبر في الإيمان هو اللغوي دون المنطقي
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»