وكيفيتهما قال المبحث الأول الإيمان في للغة التصديق أفعال من الأمن للصيرورة أو التعدية بحسب الأصل كأن المصدق صار ذا أمن من أن يكون مكذوبا أو جعل الغير آمنا من التكذيب والمخالفة ويعدى بالباء لاعتبار معنى الإقرار والاعتراف كقوله تعالى * (آمن الرسول بما أنزل إليه) * وباللام لاعتبار معنى الإذعان والقبول كقوله تعالى حكاية * (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) * ولما أنه في التحقيق عايدا إلى أخذ الشيء صادقا والصدق مما يوصف به المتكلم والكلام والحكم يقع تعليقه بالشيء باعتبارات مختلفة مثل آمنت بالله أي بأنه واحد متصف بما يليق منزه عما لا يليق وآمنت بالرسول أي بأنه مبعوث من الله تعالى صادق فيما جاء به وآمنت بملائكته أي بأنهم عباده المكرمون المطيعون المعصومون لا يتصفون بذكورة ولا أنوثة ليسوا بنات الله ولا شركاءه وآمنت بكتبه وكلماته أي بأنها منزلة من عند الله صادقة فيما تتضمنه من الأحكام وآمنت باليوم الآخر أي بأنه كائن البتة وآمنت بالقدر أي بأن الخير والشر بتقدير الله ومشيئته ومرجع الكل إلى القبول والاعتراف وأما في الشرع فاختلف الآراء في تحقيق الإيمان وفي كونه اسما لفعل القلب فقط أو فعل اللسان فقط أو لفعلهما جميعا وحدهما أو مع سائر الجوارح وهذه طرق أربعة فعلى الأول قد يجعل اسما للتصديق أعني تصديق النبي فيما علم مجيئه به بالضرورة أي فيما اشتهر كونه من الدين بحيث يعلمه العامة من غير افتقار إلى نظر واستدلال كوحدة الصانع ووجوب الصلاة وحرمة الخمر ونحو ذلك ويكفي الإجمال فيما يلاحظ إجمالا ويشترط التفصيل فيما يلاحظ تفصيلا حتى لو لم يصدق بوجوب الصلاة عند السؤال عنه وبحرمة الخمر عند السؤال عنه كان كافرا وهذا هو المشهور وعليه الجمهور وقد يجعل اسما للمعرفة أعني معرفة ما ذكرنا ويتناول معرفة الله تعالى بوحدانيته وسائر ما يليق به وتنزهه عما لا يليق به وهو مذهب الشيعة وجهم بن صفوان وأبي الحسين الصالحي من القدرية وقد يميل إليه الأشعري وستعرف فرقا بين المعرفة والتصديق ومن الناس من يكاد يقول بأنه اسم لمعنى آخر غير المعرفة والتصديق هو التسليم إلا أنه يعود بالآخرة إلى التصديق على ما يراه أهل التحقيق وعلى الثاني وهو أن يجعل اسما لفعل اللسان أعني الإقرار بحقية ما جاء به النبي عليه السلام وقد يشترط معه معرفة القلب حتى لا يكون الإقرار بدونها إيمانا وإليه ذهب الرقاشي زاعما أن المعرفة ضرورية يوجد لا محالة فلا يجعل من الإيمان لكونه اسما لفعل مكتسب لا ضروري وقد يشترط التصديق وإليه ذهب القطان وصرح بأن الإقرار الخالي عن المعرفة والتصديق لا يكون إيمانا وعند اقترانه بهما يكون الإيمان هو الإقرار فقط وقد لا يشترط شيء منهما
(٢٤٧)