وبين التصديق ليصح كون الأول حاصلا للمعاندين دون الثاني وكون الثاني إيمانا دون الأول فاقتصر بعضهم على أن ضد التصديق هو الإنكار والتكذيب وضد المعرفة النكارة والجهالة وإليه أشار الإمام الغزالي رحمه الله حيث فسر التصديق بالتسليم فإنه لا يكون مع الإنكار والاستكبار بخلاف العلم والمعرفة وفصل بعضهم زيادة تفصيل وقال التصديق عبارة عن ربط القلب بما علم من إخبار المخبر وهو أمر كسبي يثبت بإخبار المصدق ولهذا يؤمر ويثاب عليه بل يجعل رأس العبادات بخلاف المعرفة فإنها ربما يحصل بلا كسب كمن وقع بصره على جسم فحصل له معرفة أنه جدار أو حجر وحققه بعض المتأخرين زيادة تحقيق فقال المعتبر في الإيمان هو التصديق الاختياري ومعناه نسبة الصدق إلى المتكلم اختيارا وبهذا القيد يمتاز عن التصديق المنطقي المقابل للتصور فإنه قد يخلو عن الاختيار كما إذا ادعى النبي النبوة وأظهر المعجزة فوقع في القلب صدقه ضرورة من غير أن ينسب إليه اختيارا فإنه لا يقال في اللغة أنه صدقه فلا يكون إيمانا شرعيا كيف والتصديق مأمور به فيكون فعلا اختياريا زائدا على العلم لكونه كيفية نفسانية أو انفعالا وهو حصول المعنى في القلب والفعل القلبي ليس كذلك بل هو إيقاع النسبة اختيارا الذي هو كلام النفس ويسمى عقد القلب فالسوفسطائي عالم بوجود النهار وكذا بعض الكفار بنبوة النبي عليه السلام لكنهم ليسوا مصدقين لغة لأنهم لا يحكمون اختيارا بل ينكرون وكلام هذا المحقق متردد يميل تارة إلى أن التصديق المعتبر في الإيمان نوع من التصديق المنطقي الذي هو أحد قسمي العلم لكونه مقيدا بالاختيار وكون التصديق العلمي أعم لا فرق بينهما إلا بلزوم الاختيار وعدمه وتارة إلى أنه ليس من جنس العلم أصلا لكونه فعلا اختياريا وكون العلم كيفية أو انفعالا وعلى هذا الأخير أصر بعض المعتنين بتحقيق معنى الإيمان وجزم بأن التسليم الذي فسر به الإمام الغزالي التصديق ليس من جنس العلم بل أمر وراءه معناه كردن دادن وكرويدن وحق داشتن مرا نراكه حق دانسته باشيء ويؤيده ما ذكره إمام الحرمين أن التصديق على التحقيق كلام النفس لكن لا يثبت كلام النفس إلا مع العلم ونحن نقول لا شك أن التصديق المعتبر في الإيمان هو ما يعبر عنه في الفارسية بكرويدن وباوركردن وراست كوى داشتن إذا أضيف إلى الحاكم وراست داشتن وحق داشتن إذا أضيف إلى الحكم ولا يكفي مجرد العلم والمعرفة الخالي عن هذا المعنى لكن ههنا مواضع نظر ومطارح فكر لا بد من التنبيه عليها ولا غنى من الإشارة إليها الأول أنه ليس معنى كون المأمور به مقدورا واختياريا أنه يلزم أن يكون البتة من مقولة الفعل التي ربما ينازع في كونها من الأعيان الخارجية دون الاعتبارات العقلية بل أن يصح تعلق قدرته به وحصوله يكسبه واختياره سواء كان في نفسه من الأوضاع والهيئات
(٢٥١)