شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٦١
وبعض المعتزلة إلى تغايرهما نظرا إلى أن لفظ الإيمان ينبئ عن التصديق فيما أخبر الله تعالى على لسان رسله ولفظ الإسلام عن التسليم والانقياد ومتعلق التصديق يناسب أن يكون هو الإخبار ومتعلق التسليم الأوامر والنواهي وتمسكا بإثبات أحدها ونفي الآخر كقوله تعالى * (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) * وبعطف أحدهما على الآخر كما في قوله تعالى * (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) * الآية * (وما زادهم إلا إيمانا وتسليما) * والتسليم هو الإسلام وبأن جبريل لما جاء لتعليم الدين سأل النبي عن كل منهما على حدة وأجاب النبي لكل بجواب وذلك أنه قال أخبرني عن الإيمان فقال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه إلى الآخر ثم قال أخبرني عن الإسلام فقال الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله إلى آخره فدل على أن الإيمان هو التصديق بالأمور المذكورة والإسلام هو الإتيان بالأعمال المخصوصة والجواب عن الأول أنا لا نعني اتحاد المفهوم بحسب أصل اللغة على أن التحقيق أن مرجع الأمرين إلى الإذعان والقبول كما مر والتصديق كما يتعلق بالإخبار بالذات فكذا بالأوامر والنواهي بمعنى كونها حقة وأحكاما من الله تعالى وكذا التسليم وعن الثاني بأن المراد الاستسلام والانقياد الظاهر خوفا من السيف والكلام في الإسلام المعتبر في الشرع المقابل للكفر المنبئ عنه قولنا آمن فلان وأسلم وعن الثالث أن تغاير المفهوم في الجملة كاف في العطف مع أنه قد يكون على طريق التفسير كما في قوله تعالى * (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) * وعن الرابع أن المراد السؤال عن شرايع الإسلام أعني أحكامه المشروعة التي هي الأساس على ما وقع صريحا في بعض الروايات وعلى ما قال النبي عليه السلام لقوم وفدوا عليه أتدرون ما الإيمان بالله وحده فقالوا الله ورسوله أعلم فقال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس وكما قال صلى الله عليه وسلم الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق (قال المبحث الثالث ظاهر الكتاب والسنة) وهو مذهب الأشاعرة والمعتزلة والمحكي عن الشافعي رحمه الله وكثير من العلماء أن الإيمان يزيد وينقص وعند أبي حنيفة رحمه الله وأصحابه وكثير من العلماء وهو اختيار إمام الحرمين أنه لا يزيد ولا ينقص لأنه اسم للتصديق البالغ حد الجزم والإذعان ولا يتصور فيه الزيادة والنقصان والمصدق إذا ضم الطاعات إليه أو ارتكب المعاصي فتصديقه بحاله لم يتغير أصلا وإنما يتفاوت إذا كان اسما للطاعات المتفاوتة قلة وكثرة ولهذا قال الإمام الرازي وغيره أن هذا الخلاف فرع تفسير الإيمان فإن قلنا هو التصديق فلا يتفاوت وإن قلنا هو الأعمال فمتفاوت وقال إمام الحرمين إذا حملنا الإيمان على التصديق فلا يفضل تصديق تصديقا كما لا يفضل علم علما ومن حمله على
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»