شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٤٩
وهو التصديق مع الإقرار والعمل على ما أشير إليه بقوله تعالى * (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) * إلى قوله * (أولئك هم المؤمنون حقا) * وموضع الخلاف أن مطلق الاسم للأول أم الثاني وذكر الإمام في وجه الضبط أن الإيمان إما أن يكون اسما لعمل القلب فقط وهو المعرفة عند الإمامية وجهم والتصديق عندنا وإما لعمل الجوارح فإن كان هو ا لقول فمذهب الكرامية أو سائر الأعمال فمذهب المعتزلة وأما مجموع عمل القلب والجوارح وهو مذهب السلف وفيه اختلال من جهة ترك عمل القلب في مذهب الاعتزال وعدم التعرض لمذهب التصديق والإقرار فإن قيل قد ذكرت من المذاهب ما يبلغ عشرة ونحن قاطعون بأن النبي عليه السلام ومن بعده كانوا يأمرون بأمر معلوم يمتثل من غير افتقار إلى بيان ولا استفسار إلا بحسب المتعلق أعني ما يجب الإيمان به فكيف ذلك قلنا لا خفاء ولا خلاف في أنهم كانوا يأمرون بالتصديق وقبول الأحكام ويكتفون في حق الأحكام الدنيوية بما يدل على ذلك وهو الإقرار إلا أنه وقع اختلاف واجتهاد في أن مناط الأحكام الأخروية مجرد هذا المعنى أم مع الإقرار أم كلاهما مع الأعمال وفي أن ذلك مجرد معرفة واعتقاد أم أمر زائد على ذلك وهذا لا بأس به قال لنا مقامات الأول أن الإيمان فعل القلب دون مجرد فعل اللسان الثاني أنه التصديق دون المعرفة والاعتقاد والثالث أن الأعمال ليست داخلة فيه بحيث ينتفي هو بانتفائها أما المقام الأول فبيانه بنصوص تدل على ذلك حتى أن القول بكون الإيمان مجرد الإقرار يكاد يجري مجرى إنكار النصوص قال الله تعالى * (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان) * * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * * (الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) * * (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) * * (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن) * وقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم ثبت قلبي على دينك ومن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان الحديث وقد يستدل بوجهين أحدهما أنه لو كان الإيمان هو القول لما كان المكلف مؤمنا حقيقة إلا حال التلفظ لانقضاء القول بعده بخلاف التصديق فإنه باق في القلب حتى حال النوم والغفلة إلى طريان ضده الذي هو الكفر وأجيب بعد تسليم كون اسم الفاعل حقيقة في الحال دون الماضي بأن المؤمن بحسب الشرع اسم لمن تكلم بما يدل على التصديق إلى أن يطرأ ضده وثانيهما أنا لو فرضنا عدم وضع لفظ التصديق المعنى أو وضعه لمعنى آخر لم يكن المتلفظ به مؤمنا قطعا وأجيب بأنهم لا يعنون أن الإيمان هو التلفظ بهذه الحروف كيف ما كانت بل التلفظ بالكلام الدال على تصديق القلب أية ألفاظ كانت وأية حروف من غير أن يجعل التصديق جزأ منه والحاصل أنه اسم للمقيد دون المجموع تمسك المخالف بوجهين أحدهما قوله تعالى * (فأثابهم الله بما قالوا) * حيث رتب ثواب الجنة على القول قلنا إن
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»