شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٣٩
في الإرشاد أن مذهب البصريين وبعض البغداديين جواز العفو عقلا أو شرعا ولقد مننا بهذا على المعتزلة إن أدركوا ونهجنا لهم منهاجا إن سلكوا وإلا فمن لهم بعصمة تنجي أو توبة ترجي قال المبحث الثالث عشر في الشفاعة يدل على ثبوتها النص والإجماع إلا أن المعتزلة قصروها على المطيعين والتائبين لرفع الدرجات وزيادة المثوبات وعندنا يجوز لأهل الكبائر أيضا في حط السيئات إما في العرصات وإما بعد دخول النار لما سبق من دلائل العفو عن الكبيرة ولما اشتهر بل تواتر معنى من ادخار الشفاعة لأهل الكبائر كقوله عليه السلام ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وترك العقاب بعد التوبة واجب عندهم فليس للعفو والشفاعة كثير معنى وقد يستدل بقوله تعالى * (واستغفر لذنبك وللمؤمنين) * أي لذنوب المؤمنين فيعم الكبائر وبقوله تعالى في حق الكفار * (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) * فإن مثل هذا الكلام إنما يساق حيث تنفع الشفاعة غيرهم فيقصد تقبيح حال الكفرة وتخييب رجائهم بأنهم ليسوا كذلك إذ لو لم تنفع الشفاعة أحدا لما كان في تخصيصهم زيادة تخييب وتوبيخ لهم لكنه مع هذا التكلف لا يفيد إلا ثبوت أصل الشفاعة ولا نزاع فيه نعم لو تم ما ذكره بعض أصحابنا من أن الشفاعة لا يجوز أن تكون حقيقة لزيادة المنافع بل لإسقاط المضار فقط والصغاير مكفرة عندكم باجتناب الكبائر فتعين أن تكون لإسقاط الكبائر لكان في إثبات أصل الشفاعة إثبات المطلوب إلا أن غاية متشبثهم في ذلك هو أن الشفاعة لو كانت حقيقة في طلب زيادة المنافع لكنا شافعين في حق النبي عليه السلام حين نسأل الله تعالى زيادة كرامته واللازم باطل وفاقا واعترض بأنه يجوز أن يعتبر فيها زيادة قيد ككون الشفيع أعلى حالا من المشفوع له أو كون زيادة المنافع محصولة البتة لسؤاله وطلبه وأجيب بأن الشفيع قد يشفع لنفسه فلا يكون أعلى وقد يكون غير مطاع فلا يقع المسؤول فضلا عن أن يكون لأجل سؤاله فإن قيل إطلاق الشفاعة على طلب المنافع مما لا سبيل إلى إنكاره كقول الشاعر (فذاك فتى إن تأته في صنيعة * إلى ماله لم تأته بشفيع) وكما في منشور دار الخلافة لسلطان محمود وليناك كورة خراسان ولقيناك بيمين الدولة وأمين الملة بشفاعة أبي حامد الإسفرائني قلنا نعم لكن لو كان حقيقة لا طرد فيما ذكرنا احتجت المعتزلة بوجوه الأول الآيات الدالة على نفي الشفاعة بالكلية فيخص المطيع والتائب بالإجماع فتبقى حجة فيما وراء ذلك مثل قوله تعالى * (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) * الآية والضمير في لا تقبل منها شفاعة ولا تنفعها شفاعة للنفس المبهمة العامة وكقوله تعالى * (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) * وكقوله تعالى * (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) * أي يجاب بمعنى لا شفاعة أصلا على طريقة قوله ولا ترى الضب بها يتحجر وكقوله تعالى * (وما للظالمين من أنصار) * الثاني ما يشعر بنفي الشفاعة لصاحب الكبيرة منطوقا كقوله تعالى * (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) *
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»