شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٤٤
لزم أن لا تكون التوبة السابقة صحيحة وقال القاضي أنه إن لم يجد ندما كان ذلك معصية جديدة يجب الندم عليها والتوبة الأولى مضت على صحتها إذا لعبادة الماضية لا ينقضها شيء بعد ثبوتها قال ولا تعميمه لتصح المذهب أنه تصح التوبة عن بعض المعاصي مع الإصرار على بعض خلافا لأبي هاشم لنا الإجماع على أن الكافر إذا أسلم وتاب عن كفره مع استدامة بعض المعاصي صحت توبته وإسلامه ولم يعاقب إلا عقوبة تلك المعصية وأيضا ليست التوبة عن تلك المعاصي إلا الرجوع عنها والندم عليها والعزم على أن لا يعاودها وقد وجدت وشبهة أبي هاشم أن الندم عليها يجب أن يكون لقبحها وهو شامل للمعاصي كلها فلا يتحقق الندم على قبيح مع الإصرار على قبيح وأجيب بأن الشامل للكل هو القبح لا قبحها والتحقيق على ما ذكره صاحب التجويد هو أن الدواعي إلى الندم عن القبائح وإن اشتركت في كون الندم على القبيح لقبحه لكن يجوز أن تترجح بعض الدواعي بأمور تنضم إليه كعظم المعصية أو قلة غلبة الهوى فيها فيبعثه ذلك الترجح على الندم عن هذا البعض خاصة دون البعض الآخر لانتفاء ترجيح الداعي بالنسبة إليه ولا يلزم من ذلك ان يكون الندم على البعض الذي تحقق منه الترجيح لا لقبحه إذ لا يخرج الداعي بهذا الترجيح عن الاشتراك في كونه داعيا إلى الندم على القبيح لقبحه وهذا كما في الدواعي إلى الفعل لحسنه قد يترجح البعض فيخصص بعض الأفعال الحسنة بالوقوع ولا يلزم من ترك البعض الآخر كون إيقاع هذا البعض لا لحسنه بل لغرض غاية ما في الباب إنه حصل للداعي إلى هذا الفعل لحسنه رجحان لم يحصل للداعي إلى الفعل الآخر وهذا ما قال أصحابنا أنه كما يجوز الإتيان بواجب لحسنه مع ترك واجب آخر يجوز ترك قبيح لقبحه مع الإصرار على قبيح آخر يقال ويكفي في الإجمال يعني يكفي في التوبة عن المعاصي كلها الإجمال وإن علمت مفصلة لحصول الندم والعزم وذهب بعض المعتزلة إلى أنه لا بد من الندم تفصيلا فيما علم مفصلا ورد بأنه مكلف بالتوبة في كل وقت مع امتناع اجتماع الذنوب الكثيرة في وقت واحد فلو لم يكف الإجمال ألزم تكليف ما لا يطاق قالوا ثم إن كانت المعصية في خالص حق الله تعالى كالواجب فقد يكفي الندم كما في ارتكاب الفرار من الزحف وترك الأمر بالمعروف وقد يفتقر إلى أمر زائد كتسليم النفس للحد في الشرب وتسليم ما وجب في ترك الزكاة ومثله في ترك الصلاة وإن تعلقت بحقوق العباد لزم مع الندم إيصال حق العبد أو بدله إليه إن كان الذنب ظلما كما في الغصب والقتل العمد ولزم أرشاده إن كان الذنب إضلالا له والاعتذار إليه إن كان إيذاء كما في الغيبة ولا يلزم تفصيل ما اغتابه به إلا إذا بلغه على وجه أفحش والتحقيق إن هذا الزائد واجب آخر خارج عن التوبة على ما قال إمام الحرمين أن القاتل إذا ندم من غير تسليم نفسه للقصاص صحت توبته في حق الله تعالى وكان منعه القصاص من مستحقه معصية متجددة تستدعي توبة
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»