شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٣٨
زيد غدا ظلما ففي الغد إما أن يكون الحسن قتله وهو باطل وإما ترك قتله وهو الحق لكنه لا يوجد إلا عند وجود الكذب ومالا يوجد الحسن إلا عند وجوده حسن قطعا فهذا الكذب حسن قطعا ويمكن دفعه بأن الكذب في إخبار الله تعالى قبيح وإن تضمن وجوها من المصلحة وتوقف عليه أنواع من الحسن لما فيه من مفاسد لا تحصى ومطاعن في الإسلام لا تخفى منها مقال الفلاسفة في المعاد ومجال الملاحدة في العناد وههنا بطلان ما وقع عليه الإجماع من القطع بخلود الكفار في النار فإن غاية الأمر شهادة النصوص القاطعة بذلك وإذا جاز الخلف لم يبق القطع إلا عند شرذمة لا يجوزون العفو عنهم في الحكمة على ما يشعر قوله تعالى * (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون) * وغير ذلك من الآيات ووجه التفرقة أن العاصي قلما يخلو عن خوف عقاب ورجاء رحمة وغير ذلك من خيرات تقابل ما ارتكب من المعصية اتباعا للهوى بخلاف الكافر وأيضا الكفر مذهب والمذهب يعتقد للأبد وحرمته لا تحتمل الارتفاع أصلا فكذلك عقوبته بخلاف المعصية فإنها لوقت الهوى والشهوة وأما من جوز العفو عقلا والكذب في الوعيد إما قولا لجواز الكذب المتضمن الفعل الحسن أو بأنه لا كذب بالنسبة إلى المستقبل فمع صريح إخبار الله تعالى بأنه لا يعفو عن الكافر ويخلده في النار فجواز الخلف وعدم وقوع مضمون هذا الخبر محتمل ولما كان هذا باطلا قطعا علم أن القول بجواز الكذب في إخبار الله تعالى باطل قطعا قال خاتمة قد اشتهر من مذهب المعتزلة أن صاحب الكبيرة بدون التوبة مخلد في النار وإن عاش على الإيمان والطاعة مائة سنة ولم يفرقوا بين أن تكون الكبيرة واحدة أو كثيرة واقعة قبل الطاعات أو بعدها أو بينها وجعلوا عدم القطع بالعقاب وتفويض الأمر إلى أن الله تعالى يغفر إن شاء ويعذب إن شاء على ما هو مذهب أهل الحق إرجاء بمعنى أنه تأخير للأمر وعدم جزم بالعقاب أو الثواب وبهذا الاعتبار جعل أبو حنيفة من المرجئة وقد قيل له من أين أخذت الإرجاء فقال من الملائكة عليهم السلام قالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا وإنما المرجئة الخالصة الباطلة هم الذين يحكمون بأن صاحب الكبيرة لا يعذب أصلا وإنما العذاب والنار للكفار وهذا تفريط كما أن قول الوعيدية إفراط والتفويض إلى الله تعالى وسط بينهما كالكسب بين الجبر والقدر ونحن نقول ينبغي أن يكون ما اشتهر منهم مذهب بعضهم والمختار خلافه لأن مذهب الجبائي وأبي هاشم وكثير من المحققين وهو اختيار المتأخرين أن الكبائر إنما تسقط الطاعات وتوجب دخول النار إذا زاد عقابها على ثوابها والعلم بذلك مفوض إلى الله تعالى فمن خلط الحسنات بالسيئات ولم يعلم عليه غلبة الأوزار لم يحكم بدخوله النار بل إذا زاد الثواب يحكم بأنه لا يدخل النار أصلا واضطربوا فيما إذا تساوى الثواب والعقاب وصرحوا بأن هذا بحسب السمع وأما بحسب العقل فيجوز العفو عن الكبائر كلها إلا عند الكعبي وذكر إمام الحرمين
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»