في نفسه كتربية الوالد لولده يجب شكرها مع وجوبها ثم اختلفوا في مسقط العقوبة فعند أكثر المعتزلة بنفس التوبة وعند بعضهم بكثرة ثوابها إذ لو كان بنفس التوبة لسقط بتوبة الملجأ ويندم العاصي عند معاينة النار ورد بمنع الندم في صورة الإلجاء وبمنع كونه للقبح في صورة المعاينة واحتج الأكثرون بأنه لو كان بكثرة الثواب لما اختصت التوبة عن معصية معينة بسقوط عقابها دون أخرى لأن نسبة كثرة الثواب إلى الكل على السوية ولما بقي فرق بين التوبة المتقدمة على المعصية والمتأخرة عنها في إسقاط عقابها كسائر الطاعات التي تسقط العقوبات بكثرة ثوابها واللازم باطل للقطع بأن من تاب عن المعاصي كلها ثم شرب الخمر لا يسقط عنه عقاب الشرب وأما عندنا فهو بمحض عفو الله تعالى وكرمه وتوبته الصحيحة عبادة يثاب عليها تفضلا ولا تبطل بمعاودة الذنب ثم إذا تاب عنه ثانيا يكون عبادة أخرى فإن قيل فعندكم حكم المؤمن المواظب على الطاعات المعصوم عن المعاصي والمؤمن المصر على المعاصي طول عمره من غير عبادة أصلا والمؤمن الجامع بين الطاعات والمعاصي من غير توبة والمؤمن التائب عن المعاص واحد وهو التفويض إلى مشيئة الله تعالى من غير قطع بالثواب أو العقاب فلا رجاء من الطاعات والتوبة ولا خوف من المعصية والإصرار وهذه جهالة جاهلة ومكابرة تابهة قلنا حكم الكل واحد في أنه لا يجب على الله تعالى في حقهم شيء لكن يثيب المطيع والتايب البتة بمقتضى الوعد على تفاوت درجات ويعاقب العاصي المصر بمقتضى الوعيد على اختلاف دركات لكن مع احتمال العفو احتمالا مرجوحا فإين التساوي وانقطاع الخوف والرجاء نعم خوفنا لا ينتهي إلى حد اليأس والقنوط إذ لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ثم اختلفت المعتزلة في أنه إذا سقط استحقاق عقاب المعصية بالتوبة هل يعود استحقاق ثواب الطاعة الذي أبطله تلك المعصية فقال أبو علي وأبو هاشم لا لأن الطاعة تنعدم في الحال وإنما يبقى استحقاق الثواب وقد سقط والساقط لا يعود وقال الكعبي نعم لأن الكبيرة لا تزيل الطاعة وإنما تمنع حكمها وهو المدح والتعظيم فلا تزيل ثمرتها فإذا صارت بالتوبة كأن لم تكن ظهرت ثمرة الطاعة كنور الشمس إذا زال الغيم وقال بعضهم وهو اختيار المتأخرين لا يعود ثوابه السابق لكن تعود طاعته السالفة مؤثرة في استحقاق ثمراته وهو المدح والثواب في المستقبل بمنزلة شجرة أحرقت بالنار أغصانها وثمارها ثم انطفت النار فإنه يعود أصل الشجرة وعروقها إلى خضرتها وثمرتها قال ولا يلزم تجديد الندم كلما ذكر المعصية لأنه قد أتى بما كلف به وخرج عن عهدته خلافا للقاضي منا وأبي علي من المعتزلة وشبهتهما أنه لو لم يندم كلما ذكرها لكان مشتهيا لها فرحا بها وذلك إبطال للندم ورجوع إلى الإصرار والجواب المنع إذ ربما يضرب عنها صفحا من غير ندم عليها ولا اشتهاء لها وابتهاج بها ولو كان الأمر كما ذكر
(٢٤٣)