) وإما بالدخول في العمومات المذكورة في بحث الخلود وإذا تحقق الوعيد فلو تحقق العفو وترك العقوبة بالنار لزم الخلف في الوعيد والكذب في الأخبار واللازم باطل فكذا الملزوم وأجيب بأنهم داخلون في عمومات الوعد بالثواب ودخول الجنة على ما مر والخلف في الوعد لوم لا يليق بالكريم وفاقا بخلاف الخلف في الوعيد فإنه ربما يعد كرما والقول بالإحباط وبطلان استحقاق الثواب بالمعصية فاسد كما مر فكيف كان ترك عقابهم بالنار خلفا مذموما ولم يكن ترك ثوابهم بالجنة كذلك والدفع بأنه لو صح أن يخلف الوعيد لصح أن يسمى مخلفا ليس بشيء لأن كثيرا من أفعاله بهذه الحيثية أعني لا يصح إطلاق اسم الفاعل ههنا عليه لإيهام النقص كما أنه يتكلم بالمجاز ولا يسمى متجوزا وكذا لا يسمى ماكرا ومستهزئا ونحو ذلك بل مع أنه ينجز وعد الثواب لا يسمى منجزا نعم لزوم الكذب في إخبار الله تعالى مع الإجماع على بطلانه ولزوم تبديل القول مع النص الدال على انتفائه مشكل فالجواب الحق أن من تحقق العفو في حقه يكون خارجا عن عموم اللفظ بمنزلة الثابت فإن قيل صيغة العموم المتعرية عن دليل الخصوص تدل على إرادة كل فرد مما يتناوله اللفظ بمنزلة التنصيص عليه باسمه الخاص فإخراج البعض بدليل متراخ يكون نسخا وهو لا يجري في الخبر للزوم الكذب وإنما التخصيص هو الدلالة على أن المخصوص غير داخل في العموم ولا يكون ذلك إلا بدليل متصل قلنا ممنوع بل إرادة الخصوص من العام والتقييد من المطلق شايع من غير دليل متصل ثم دليل التخصيص والتقييد بعد ذلك وإن كان متراخيا بيان لا نسخ وهذا هو المذهب عند الفقهاء الشافعية والقدماء من الخفية وكانوا ينسبون القول بخلاف ذلك إلى المعتزلة إلا أن المتأخرون منهم لا يعدون ذلك نسخا ويخصون التخصيص بما يكون دليله متصلا ويجوزون الخلف في الوعيد ويقولون الكذب يكون في الماضي دون المستقبل وهذا ظاهر الفساد فإن الإخبار بالشيء على خلاف ما هو كذب سواء كان في الماضي أو في المستقبل قال الله تعالى * (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم) * ثم قال * (والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم) * على أن المذهب عندنا أن إخبار الله تعالى أزلي لا يتعلق بالزمان ولا يتغير بتغيير المخبر به على ما سبق في بحث الكلام فإن قيل فعلى ما ذكرتم يكون حكم العام هو التوقف حتى يظهر دليل الخصوص قلنا لا بل يجري على عمومه في حق العمل بل وفي حق وجوب اعتقاد العموم دون فرضيته وهذا البحث مستوفى في أصول الفقه وقد بسط الكلام فيه صاحب التبصرة بعض البسط وللإمام الرازي ههنا جواب إلزامي وهو أن صدق كلامه لما كان عندنا أزليا امتنع كذبه لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه وأما عندكم فإن امتنع كذبه لكونه قبيحا فلم قلتم أن هذا الكذب قبيح وقد توقف عليه العفو الذي هو غاية الكرم وهذا كمن أخبر أنه يقتل
(٢٣٧)