شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٥٨
والغسل والصلاة عليه والدفن في مقابر المسلمين وبعض أحكام الكافر كالذم واللعن وعدم أهلية الإمامة والقضاء والشهادة فيكون له منزلة بين المنزلتين فلا يكون مؤمنا ولا كافرا والجواب أن هذا إنما يتم لو كان ما جعلتموه أحكام الكافر خواصه التي لا تتجاوزه إلى المؤمن أصلا كما في أحكام المؤمن وهذا نفس المتنازع فإنها عندنا تعم الكافر وبعض المؤمنين وفي كلام المتأخرين من المعتزلة ما يرفع النزاع وذلك أنهم لا ينكرون وصف الفاسق بالإيمان بمعنى التصديق أو بمعنى إجراء الأحكام بل بمعنى استحقاق غاية المدح والتعظيم وهو الذي نسميه الإيمان الكامل ونعتبر فيه الأعمال وننفيه عن الفساق فيكون لهم منزلة بين منزلة هذا النوع من الإيمان وبين منزلة الكفر بالاتفاق وكأنه رجوع عن المذهب وإعراض كما يقال في نفي الصفات أنا نريد ما هو من قبيل الإعراض وإلا فقدماؤهم يصرحون بأن من أخل بالطاعة ليس بمؤمن بحسب الشرع بل بمجرد اللغة وبأن القول بتعدد القديم كفر من غير فرق بين العرض وغيره وأما الخوارج فمذهب جمهورهم إلى أن كل معصية كفر ومنهم من فرق ين الصغيرة والكبيرة وتمسكوا بوجوه الأول النصوص الناطقة بكفر العصاة كقوله تعالى * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * وقوله تعالى في تارك الحج * (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) * وقوله تعالى * (ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) * حصر الفسق على الكافر فيكون كل فاسق كافرا وكقول النبي عليه السلام من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر وقوله ومن مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا قلنا المراد بما أنزل الله هو التوراة بقرينة قوله تعالى * (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون) * إلى قوله * (ومن لم يحكم بما أنزل الله) * فيختص من لم يحكم باليهود ولأنا لم نتعبد بالحكم بالتوراة على أنه لو كان للعموم فسلب العموم احتمال ظاهر ثم التعبير عن ترك الحج بالكفر استعظام له وتغليظ في الوعيد عليه وكذا الحديث الوارد في هذا المعنى في ترك الصلاة عمدا مع احتمال الاستحلال والمراد بالفاسقين في قوله تعالى (فأولئك هم الفاسقون) الكاملون في الفسق والمتمردون المنهمكون في الكفر للقطع بأن الفسق لا ينحصر في الكفر بعد الإيمان الثاني الآيات الدالة على انحصار العذاب في الكفار مع قيام الأدلة على أن الفاسقين يعذبون كقوله تعالى * (أن العذاب على من كذب وتولى) * * (إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) * * (فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى) * قلنا المراد الكامل الهائل من العذاب والخزي والنار للقطع بتعذيب غير المكذبين أو الحصر غير حقيقي بل بالإضافة إلى المتقين فلا يمنع دخول الفاسقين وإن كانوا مؤمنين الثالث الآيات الدالة على أن الفاسق مكذب بالقيامة أو بآيات الله ولا شك أن المكذب بها كافر كقوله تعالى * (وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) * وقوله تعالى * (يتساءلون عن المجرمين) *
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»