شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٣٦
في الشرك أقوى على مالا يخفى فلا معنى للنفي والمشهور في إبطال تقييدهم المغفرة بما بعد التوبة أن قبول التوبة وترك العقاب بعدها واجب عندهم فلا يتعلق بالمشيئة واعترض بأن ترك العقاب على الكبيرة بعد التوبة ليس واجبا كثواب المطيع بل بمقتضى الوعد بمعنى أنه واجب أن يكون كما هو المذهب عندكم ووعده بذلك ووفاؤه بما وعد هو المغفرة والعفو ولو سلم ففعل الله تعالى وإن كان واجبا عليه يكون بمشيئته وإرادته فيصح تعليقه بها والجواب أن المذهب عندهم على ما صرحوا به في كتبهم هو أن العقاب بعد التوبة ظلم يجب على الله تركه ولا يجوز فعله ثم الواجب وإن كان فعله بالإرادة والمشيئة لا يحسن في الإطلاق تعليقه بالمشيئة كقضاء الدين والوفاء بالنذر لأنه إنما يحسن فيما يكون له الخيرة في الفعل والترك على أنك إذا تحققت فليس هذا مجرد تعليق بالمشيئة بمنزلة قولك يغفر ما دونه إن شاء بل تقييدا للمغفور له بمنزلة قولك يغفر لمن يشاء دون من لا يشاء وهذا لا يكون في الواجب البتة بل في المتفضل به كقولك الأمير يخلع على من يشاء بمعنى أنه يفعل ذلك لكن بالنسبة إلى البعض دون البعض وبهذا يندفع إشكال آخر وهو أن المغفرة معلقة بالمشيئة فلا يدل على الوقوع لعدم العلم بوقوع المشيئة بل على مجرد الجواز وليس المتنازع وقد يدفع بأنه لا بد من وقوع المشيئة ليتحقق الفرق بين الشرك وما دونه على ما هو مقصود سوق الآية وهذا الدفع إنما يتم على رأي من يجعل التفرقة بينهما بوقوع العفو ولا وقوعه ويجعل العفو عن الكفر جايزا غير واقع وعليه الأشاعرة وكثير من المتكلمين قال للمانعين عقلا تمسكت الوعيدية القائلون بعدم جواز العفو عن الكبائر عقلا وهم البلخي وأتباعه بأنه إغراء على القبيح لأن المكلف يتكل على العفو ويرتكب القبايح وهذا قبيح يمتنع إسناده إلى الله تعالى وأجيب بعد تسليم قاعدة الحسن والقبح العقليين بأن مجرد احتمال العقوبة يصلح زاجرا للعاقل عن ارتكاب الباطل فكيف مع الآيات القاطعة بالعذاب والوعيدات الشايعة في ذلك الباب فكيف يكون احتمال تركها بل وقوعه في الجملة وبالنسبة إلى من لا يعلمه إلا الله مظنة للإغراء ومفضية إلى الاجتراء ألا ترى أن قبول التوبة مع وجوبه عندكم وعزم كل أحد عليها غالبا ليس بإغراء والتردد في نيل توفيقها لا يزيد على التردد في نيل كرامة العفو قال قيل ترك العفو أدعى إلى الطاعة فيكون لطفا فيجب فيمتنع العفو قلنا منقوض بقبول التوبة وتأخير العقوبة وإن ادعى وجه مفسدة في تركهما منعنا انتفاءه في ترك العفو فإن في العفو لطفا بالعبد في تأدية وظيفة مزيد الثناء على الله تعالى بالعفو والكرم والرأفة قال وسمعا تمسك القائلون بجواز العفو عقلا وامتناعه سمعا وهم البصريون من المعتزلة وبعض البغدادية بالنصوص الواردة في وعيد الفساق وأصحاب الكبائر إما بالخصوص كقوله تعالى في أكل أموال الناس * (ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا) * وفي التولي عن الزحف * (ومأواه جهنم وبئس المصير) * وفي تعدي حدود المواريث * (يدخله نارا خالدا فيها) *
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»