شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٣٤
العدم وعدم تحقق علة بقائه بالفناء أولى على أن الدفع أهون من الرفع ثم هذا على تقدير صحته إنما يتأتى فيما إذا كان الأكثر طاريا بخلاف ما إذا استحق بالطاعة ثوابا كثيرا أو بالمعصية عقابا أقل أو بالعكس الثاني أنه يجوز أن يكون التوقف فيما بين طريان الحادث وزوال السابق توقف معية لا تقدم ليلزم الدور المحال والجواب أن الكلام إنما هو على تقدير جعل طريان الحادث هو السبب في زوال السابق فيتقدمه بالذات ضرورة وهو ينافي اشتراطه به لاستلزامه تأخره عنه بالذات الثالث أن الاستحقاقات ليست أمورا متمايزة بحسب الخارج بمنزلة ما إذا كان لك عند أحد خمستان وديعة فيمكن تسليم هذه أو تلك بل بحسب الذهن فقط بمنزلة ما إذا كان لك عليه خمستان دينا فلا يكون تسليم خمسة أو الإبراء عنها أو مقاصتها بخمسة له عليك إلا إبراء عن النصف وبما ذكرنا من حمل كلام المحصل على ما نقلنا من تقرير نهاية العقول يظهر أن ليس مقصود الإمام ما فهمه المعترض فإن معناه أن الاستحقاقات لما كانت متساوية فالاستحقاق القليل كما يزيل ما يقابله من الكثير كذلك يزيل الباقي لأن حكم المتساويات واحد بل الاعتراض أن تساوي الاستحقاقات لا يوجب إلا جواز زوال كل بما يزول به الآخر لا زوال الكل بما يزول به البعض الرابع أما الطاعات والمعاصي مثبتة عند الحفظة وفي صحايف الكتبة فالطاعات تبطل استحقاق العقاب بالمعاصي والمعاصي تبطل استحقاق الثواب بالطاعات من غير لزوم محال والجواب أن المقصود بيان امتناع زوال أحد الاستحقاقين والمستحقين أعني الثواب والعقاب بالآخر على ما هو المذهب في الإحباط والموازنة وبهذا يندفع اعتراض خامس وهو أنه يجوز أن لا يؤثر أحدهما في عدم الآخر لكن يتمانعان في ظهور حكمهما فيظهر حكم الزيادة فقط السادس أنه يجوز أن يؤثر الطاري في عدم السابق بشرط أن يسقط من الطاري مثل السابق من غير لزوم محذور والجواب أنه يعود الكلام في سقوط ذلك القدر من الطاري ويلزم المحذور نعم يتجه على الوجه الأخير أنه لو جعل زوال كل من الاستحقاقين بالآخر بأن يزيل جزء من هذا جزأ من ذلك وبالعكس إلى أن يفنى الأقل بالكلية ويبقى من الأكثر القدر الزائد لم يلزم شيء من المحالات لأنه يكون مزيلا للجزء الأخير من الأقل إلا أن الإمام إنما أورد هذا البرهان فيما إذا استحق المكلف عشرة أجزاء من الثواب ثم فعل معصية استحق بها عشرة أجزاء من العقاب فلا يرد عليه هذا لكن يتجه أن البيان يختص بما إذا تساوى الاستحقاقات والمعتزلة اضطربوا في مثله وزعم أبو هاشم أنه لا يجوز وقوع ذلك لأن المكلف إما في الجنة أو في النار وأجيب بأنه يجوز أن يرجح جانب الثواب فينزل برحمة الله تعالى منزل الكرامة ويحل بفضله دار المقامة أو يجمع بين الثواب والعقاب من غير خلوص أحدهما أو لا يثاب ولا يعاقب ويكون من أصحاب الأعراف على ما ورد في الحديث ويمكن دفع استدلال الإمام بأن الاستحقاق اعتبار شرعي ليس له تأثير وتأثر حقيقي وفناء بعد وجود بل معنى إحباط الطاعة أو استحقاق الثواب أن الله تعالى
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»