شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٥٦
بوجوه الأول أن فعل الواجبات هو الدين المعتبر لقوله تعالى * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) * أي ذلك المذكور من إقامة الصلاة وغيرها هو الدين المعتبر والدين المعتبر هو الإسلام لقوله تعالى * (إن الدين عند الله الإسلام) * والإسلام هو الإيمان لما سيجيء وأجيب أولا بأن ذلك مفرد مذكر وجعله إشارة إلى جملة ما سبق تأويل ليس أولى وأقرب من جعله إشارة إلى الإخلاص أو التدين والانقياد ولما سبق من الأمر بل ربما يكون هذا أولى لبقاء اللفظ على معناه اللغوي أو قريبا منه ألا ترى أن قوله تعالى * (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا) * إلى قوله * (ذلك الدين القيم) * معناه أن التدين بكون الشهور اثني عشر أربعة منها حرم والانقياد لذلك هو الدين المستقيم على أن ههنا شيئا آخر وهو أن الدين في تلك الآية مضاف إلى القيمة لا موصوف كما في هذه الآية والمعنى دين الملة القيمة فلا يكون معناه الملة والطريقة بل الطاعة كما في قوله تعالى * (مخلصين له الدين) * وحينئذ سقط الاستدلال بالكلية وثانيا بأن معنى الآية الثانية أن الدين المعتبر هو دين الإسلام للقطع بأن الدين وهو الملة والطريقة التي تعتبر غالبا إضافتها إلى الرسول لا تكون نفس الإسلام الذي هو صفة المكلف وثالثا بما سيجيء من الكلام على دليل اتحاد الإيمان والإسلام الثاني قوله تعالى * (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) * إلى قوله * (أولئك هم المؤمنون حقا) * وقوله تعالى * (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا) * الآية وأجيب بأن المراد كمال الإيمان جمعا بين الأدلة الثالث قوله تعالى * (وما كان الله ليضيع إيمانكم) * أي صلاتكم إلى بيت المقدس وأجيب بأن المعنى تصديقكم بوجوبها أو بكونها جائزة عند التوجه إلى بيت المقدس أو هو مجاز لظهور العلاقة وهو كون الصلاة من شعب الإيمان وثمراته ومشروطة به ودالة عليه على ما قال النبي عليه الصلاة والسلام بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة الرابع أن كل قاطع الطريق يخزى يوم القيامة لأنه يدخل النار بدليل قوله تعالى * (ولهم في الآخرة عذاب النار) * وكل من يدخل النار يخزى بدليل قوله تعالى حكاية وتقريرا * (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) * ولا شيء من المؤمن يخزى يوم القيامة لقوله تعالى * (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) * وأجيب بمنع الكبرى فإن المراد بالذين آمنوا معه الصحابة لا كل مؤمن ولا يصح لهم التمسك بقوله تعالى * (إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) * لأن القاطع ليس بكافر فإن قيل هب أن ليس في الذين آمنوا معه قاطع طريق لكن لا شك أن فيهم العاصي والباغي وبهذا يتم الاستدلال قلنا إنما يتم لو ثبت بالدليل أنه لا يعفى عنه ولا يثاب عليه بل يدخل النار البتة وأن الآيات الثلاث مجراة على العموم الخامس قوله عليه
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»