شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٣٣
وهذا هو الإحباط المحض وقال أبو هاشم الأقل يسقط ويسقط من الأكثر ما يقابله مثلا من له مائة جزء من العقاب واكتسب ألف جزء من الثواب فإنه يسقط عنه العقاب ومائة جزء من الثواب بمقابلته ويبقى له تسعمائة جزء من الثواب ومن له مائة جزء من الثواب واكتسب ألفا من العقاب سقط ثوابه ومائة جزء من عقابه وهذا هو القول بالموازنة لا ما قال في المواقف أنه يوازن بين الطاعات والمعاصي فأيهما رجح أحبط الآخر واختلفت كلمتهم في أن الإحباط والموازنة بين الفعلين أعني الطاعة والمعصية أو المستحقين أعني الثواب والعقاب أو الاستحقاقين مال الجبائي إلى الأول وأبو هاشم إلى الثاني وهو المختار عند الأكثرين وبالجملة لا يخفى على أحد أن القول بما ذهبا إليه من الإحباط والموازنة لا يصح إلا بنص من الشارع صريح ونقل صحيح واستدل الإمام الرازي على بطلانه بأن الأكثر إذا أحبط الأقل فإن لم يحبط منه شيء كما هو رأي أبي علي صارت الطاعة السابقة لغوا محضا لا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا وهو باطل إما عقلا فلكونه ظلما ولأنه ليس انتفاء الباقي بطريان الحادث أولى من اندفاع الحادث بوجوه الباقي وأما سمعا فكقوله تعالى * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * وغير ذلك وإن حبط من الأكثر ما يوازن الأقل كما هو رأي أبي هاشم فباطل أيضا أما أولا فلأنهما لما كانا متنافيين كان طريان الحادث مشروطا بزوال السابق فلو كان زواله لأجل طريان الحادث لزم الدور وأما ثانيا فلأن تأثير ذلك الاستحقاق القليل في بعض أجزاء الكثير ليس أولى من تأثيره في الباقي لكون الأجزاء متساوية وحينئذ يلزم أن يفنى بذلك القليل كل ذلك الكثير وهو باطل وفاقا وهذا ما قال في المحصل أنه إذا استحق بالطاعة عشرة أجزاء من الثواب وبالمعصية خمسة أجزاء من العقاب فليس انتفاء استحقاق إحدى الخمستين أولى من انتفاء استحقاق الخمسة الأخرى ليتساوى أجزاء الثواب واستحقاقاتها وأما ثالثا فلأن زوال كل من الاستحقاقين بالآخر إما أن يكون دفعة وهو محال لأنه إذا كان عدم كل منهما لوجود الآخر فلو عدما دفعة لوجدا دفعة لكن العلة موجودة حال حدوث المعلول فيلزم كونهما موجودين حال كونهما معدومين هف وأما أن لا يكون دفعة وهو أيضا باطل لأنه إذا كان سبب زوال الأول حدوث الثاني فما لم يوجد الثاني لا يزول الأول وإذا وجد الثاني وزال الأول استحاله زوال الثاني لأنه لا مزيل له لأن التقدير أن كلا منهما إنما يزول بالآخر وهذا ما يقال أن الثاني كان قاصرا عن الغلبة حين مالم يكن مغلوبا فكيف إذا صار مغلوبا واعترض بوجوه الأول أن الطاري أقوى وبالبقاء أولى لكونه مقارنا لمؤثره الذي يوجده بخلاف السابق فإنه وإن كان موجودا لكن لم يبق معه مؤثره فإذا يجوز على الإحباط أن يفنى السابق بالطاري ويبقى هو بحاله وعلى الموازنة أن يفنى من الطاري ما يقابل السابق ثم يفنى السابق بما بقي من الطاري والجواب المنع بل السابق لاستمرار وجوده وتحقق علة بقائه أقوى وأبقى والطاري لقربه من
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»