وعمل صالحا وآخر سيئا واستمر على الطاعات والكباير كما يشاهد من الناس فعندنا مآله إلى الجنة ولو بعد النار واستحقاقه للثواب والعقاب بمقتضى الوعد والوعيد ثابت من غير حبوط والمشهور من مذهب المعتزلة أنه من أهل الخلود في النار إذا مات قبل التوبة فأشكل عليهم الأمر في إيمانه وطاعته وما ثبت من استحقاقاته أين طارت وكيف زالت فقالوا بحبوط الطاعات ومالوا إلى أن السيئات يذهبن الحسنات حتى ذهب الجمهور منهم إلى أن الكبيرة الواحدة تحبط ثواب جميع العبادات وفساده ظاهر أما سمعا فللنصوص الدالة على أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا وأما عقلا فللقطع بأنه لا يحسن من الحكيم الكريم إبطال ثواب إيمان العبد ومواظبته على الطاعات طول العمر يتناول لقمة من الربا وجرعة من الخمر بمنزلة من خدم كريما مائة سنة حق الخدمة ثم بدت منه مخالفة أمر من أوامره فهل يحسن رفض حقوق تلك الخدمات ونقض ما عهد ووعد من الحسنات وتعذيبه عذاب من واظب مدة الحياة على المخالفة والمعاداة وأيضا استحقاق الثواب على الطاعة عندهم إنما هو لكونها حسنة وامتثالا لأمر الباري وهذا متحقق مع الكبيرة فيتحقق أثره وأيضا لو كانت الكبيرة محبطة لثواب الطاعة لكانت منافية لصحتها بمنزلة الردة قالوا استحقاق الثواب والعقاب متنافيان لا يجتمعان لأن الثواب منفعة خالصة دائمة مع التعظيم والعقاب مضرة خالصة دائمة مع الإهانة قلنا لا نسلم لزوم قيد الخلوص والدوام سيما في جانب العقاب و ح لا يتنافي الثواب والعقاب بأن يعاقب حينا ثم يثاب ولو سلم فلا يلزم تنافي الاستحقاقين بأن يستحق المنفعة الدائمة من جهة الطاعة والمضرة الدائمة من جهة المعصية ولو سلم فليس إبطال الحسنة بالسيئة أولى من العكس كيف وقد قال الله أن الحسنات يذهبن السيئات وحكم بأن السيئة لا تجزى إلا بمثلها والحسنة تجزى بعشر أمثالها إلى سبعمائة وأكثر قالوا الإحباط مصرح في التنزيل كقوله تعالى * (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم) * * (أولئك حبطت أعمالهم) * و * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) * قلنا لا بالمعنى الذي قصدتم بل بمعنى أن من عمل عملا صالحا استحق به الذم وكان يمكنه أن يعمله على وجه يستحق به المدح والثواب يقال أنه أحبط عمله كالصدقة مع المن والأذى وبدونهما وأما إحباط الطاعات بالكفر بمعنى أنه لا يثاب عليها البتة فليس من المتنازع في شيء وحين تنبه أبو علي وأبو هاشم لفساد هذا الرأي رجعا عن التمادي بعض الرجوع فقالا إن المعاصي إنما تحبط بالطاعات إذا أذنب عليها وإن إذنب الطاعات أحبطت المعاصي ثم ليس النظر إلى أعداد الطاعات والمعاصي بل إلى مقادير الأوزار والأجور فرب كبيرة يغلب وزرها أجور طاعات كثيرة ولا سبيل إلى ضبط ذلك بل هو مفوض إلى علم الله ثم افترقا فزعم أبو علي أن الأقل يسقط ولا يسقط من الأكثر شيئا وسقوط الأقل يكون عقابا إذا كان الساقط ثوابا وثوابا إذا كان الساقط عقابا
(٢٣٢)